عبد الجليل سليمان

أكل رؤوس الآباء والأمهات

[JUSTIFY]
أكل رؤوس الآباء والأمهات

الظَّرف: البَراعةُ وذكاء القلب، يُوصَف به الفِتْيانُ الأَزْوالُ والفَتَياتُ الزَّوْلاتُ ولا يوصف به الشيخ ولا السيد، وقيل: الظرفُ حسنُ العِبارة، وقيل: حسن الهيئة، وقيل: الحِذْقُ بالشيء، وقد ظَرُفَ ظَرْفاً ويجوز في الشعر ظَرافة، وبهذه المناسبة السعيدة، فإن كلمة زوًلُ (بتشديد الواو وفتحها وضم اللام) والتي جمعها (أزوال/ وزولات) تعني الشخص الخفيفُ الحرَكات، كما تعني الشُّجاع الذى يَزُولُ الناسُ من شجاعَتِه، وأيضاً الصَّقرُ.

لكن أكثر ما أعجبني في معنى (زول)، هي عبارة (هذا زوْلٌ من الأَزوال)، ومعناها القاموسي: هذا عجبٌ من العجائِبِ.

ومن عجائب وظرف (الأزوال السياسيين)، خصوصاً الإسلاميين منهم، أن أحدهم قال: إن الإسلاميين يدخلون الدنيا لإنقاذ العالم الإسلامي. وفي الوقت ذاته جاءت الصحف بنبأ من (حماية المستهلك) تطالب برفع الحصانة عن وزير الغابات بعرضه لزيت بذرة محور وراثياً، وولاية الجزيرة تقدم ملفات فساد للرأي العام، وتقرير المراجع يكشف كل سنة عن كذا وكذا.

ثم، بعد كل الذي حدث هنا، وفي أفغانستان، وفي (بلاد الهنك والرنك) بحسب (سربعة) موسم الهجرة إلى الشمال، كيف لنا أن نصدق أن الإسلاميين جاءوا إلى الدنيا لإنقاذ العالم الإسلامي، وممن أصلاً؟ أليست عبارة (ظريفة) مثل هذه تجعلنا نردد (هذا زوْلٌ من الأَزوال)، أليست عبارة فيها خفة لا نظير لها، أليست مفارقة لروح الشجاعة والنقد الذاتي؟ بينما كان يجب على الإسلاميين بدلاً من تقديم أنفسهم على أنهم (سيوبر بشر)، أن يتواضعوا لله وللشعب قليلاً، فيقومون تجربتهم ويقيمونها بقسطاط وميزان (ويل يومئذٍ للمطففين).

تطفيف في كل شيء، حتى في تقييم تجربتك، أليس هذا أمراً أدّا؟، وحين تحدثنا عن (تطفيف) الخدمة المدنية بفعل التمكين، غضب بعض القوم، وكأننا كنا نفتئت على الحقيقة التي يعلمها أي أحد، وكأن الفساد والوهن اللذين يسودانها الآن ليس سوى نتيجة حتميّة لتلك السياسة، وفي ذلك نحكي القصص لعلهم يعتبرون، وما أظنهم يفعلون!

يحكي عن أحد أبرز ظرفاء العرب الذين شاعت عنهم كثير من النكات الطعامية وهو (مزبد المديني)، أنه جاء يوما برأسي خروف مطبوخين مما يسميه العراقيون برأس (باجا)، وضعهما أمام زوجته وقال لها: اقعدي لنأكل، فأخذت أحد الرأسين ووضعته خلفها، وقالت: هذا لأمي. فبادر مزبد وأخذ الرأس الآخر ووضعه خلفه قائلا: وهذا لأبي، قالت: فماذا نأكل؟ قال ضعي رأس أمك وأنا أضع رأس أبي.

لذلك فبدلاً هذا التطفيف وهذه الخفة في القول، وتلك (الظرافة) غير المحببة، ينبغي أن تضع الأحزاب السياسية كلها، خاصة الإسلامي منها، رؤوس آبائهم وأمهاتهم ليأكل منها هذا الشعب المسكين، بدلاً من إخفائها وراء ظهورهم.

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي