وبعدين معاكم
*من المقعدات التي جعلت الحزب الشيوعي السوداني لا يذهب إلى (المائدة المستديرة) التشاورية الأخيرة التي تنادت لها جل الأحزاب، هي ما عبر عنها الشيوعيون بتأطيرها في المسوغات الآتية:
*الحريات الصحفية.
*حرية العمل السياسي.
*إطلاق سراح المعتقلين.
*الجلوس حول طاولة مستديرة لا فضل فيها بين مؤتمر وحزب، وتتساوى فيها الكتوف.
*ولم تكن بشريات الملتقى التشاوري التي زفها السيد الرئيس على صدر هذا المحفل الهائل، لم تكن إلا هذه المطلوبات الشيوعية المشروطة.
*وكان العشم بأن الشيوعيين سيهللون ويباركون يبدون استعدادهم بالالتحاق بالقاطرة السودانية الهائلة التي ستتجه إلى محطات الوفاق والسلام، على الأقل بعد أن أجيبت دعوتهم.
*فكانت المفاجأة الصادمة بأن الشيوعيين قد قفزوا إلى دائرة أخرى من الاشتراطات والمطلوبات، التي من بينها إبطال العقوبات القضائية التي صدرت بحق المناضلين ياسر سعيد عرمان وعقار، على أن يشمل العفو المحتجزين في ذمة قضايا جنائية ممن قتلوا وحرقوا ونهبوا، وصولاً إلى اشتراط وقف الحرب التي يديرها أصدقاؤهم في الجبهة الثورية!
*وقصة تراجيديا الموقف الشيوعي من عمليات الإجماع الوطني، تذكرني بطرفة ذلك الرجل الذي ظل يتنقل بين وحدات وهيئات مصلحة الأراضي سنين بأكملها، ثم أخبره نائب مدير الاستحقاقات ذات يوم بأن كل خطواته قد اكتملت وعليه العودة بعد أسبوع للاستلام.
*أتى الرجل بعد أسبوع ووجد أن الرجل الذي وعده بالاستلام قد أصبح مديراً لوحدة الاستحقاقات فازداد بشارة، فما إن دخل عليه حتى قال له (خير، في شنو؟) فذكَّره بوعده لما كان نائباً للمدير، فقال المدير بعد أن تفحص الملف من جديد، أنت لازلت في منتصف الطريق وينتظرك الكثير..!
* هنالك رؤية قديمة جديدة عند إخواننا الشيوعيين (بأن هذا النظام يجب أن يذهب)، على أن هذه التشكيلات التي استدارت حول الطاولة لم تكن إلا مجموعات يمينية ستكتب للنظام لا محاولة (عمراً جديداً)!
*وإذا تدثر الآخرون بدثار الوطن الذي لم يكن بمقدوره أن يحتمل المزيد من التشاكسات، الأرض التي تهتز تحت أرجل الجميع والتي حملتهم للطاولة، على أن يصبح السودانيون ذات يوم حزين ولا يجدوا وطناً يقتتلون فيه.
*فهذه المسوغات على خطورتها وفظاعتها لا تعني عند اليسار شيئاً، فالوطن الذي يحكمه اليمين لا خير فيه، وحتى الطائفية لم تكن إلا (مجموعات برجوازية) لا تعيش طويلاً خارج بحيرة السلطة!
*وعلى هذه المسلمات، لو أنفقتم ما في الأرض جميعاً من حريات وأطلقتم سراح كل المسجونين القاتلين منهم والمخربين، ولو عملتم وثيقة مبرأة من كل عيب، لن يأتوكم!
*وحتى أكون منصفاً ودقيقاً، إن أتى الشيوعيون يوماً لهذه الطاولة، فذلك لتفخيخها من الداخل!
*هنالك أزمة أخطر من ذلك، فلئن تجمع كل اليمين حول (طاولة الحكومة)، ففي المقابل إن الشيوعيين سيستعصمون بمواقف دوائر الحركات المسلحة، على الأقل اليسارية منها، الحركة الشعبية وتحرير السودان الدارفورية.
*مخرج.. هنالك أزمة أخرى على أن المائدة المستديرة ستنتهي لا محالة إلى تداول سلمي للسلطة عبر (ديمقراطية الصناديق)، والشيوعيون لا يملكون الجماهير الكافية للعبة ملء الصناديق هذه.
*أمل اليسار في بندقية الحركات المسلحة وسيف الجبهة الثورية وليس في مائدة تفضي إلى سلم وصناديق وديمقراطية!
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]