الصادق الرزيقي

التقاط اللحظة التاريخية الحاسمة

[JUSTIFY]
التقاط اللحظة التاريخية الحاسمة

اغتنم السودانيون عبر أحزابهم وتنظيماتهم السياسية وهي أجنحة وأرهاط، لحظة وسانحة تاريخية حاسمة، مساء أول من أمس الإثنين «6» أبريل 2014م، لا ليتحدوا ويتواثقوا، ولكن فقط ليؤكدوا أن الحوار ممكن والطريق نحو التوافق سالك لا محالة، إن صدقت النوايا وزادت «مداميك» الثقة ارتفاعاً بين طلابها.
واكتشف الجميع دون أدنى مواربة وارتياب، أن المسافات بينهم تتقاصر والفجوات تنحسر، ولا خلاف حول الجوامع الوطنية ومشتركاتها، وما يفصل بينها هو المسافة ما بين مسام الجلد.
أكثر من ثلاثة وثمانين حزباً من شتيت الطيف السياسي والفسيفساء الفكرية المبعثرة، لم تجد شيئاً يفرقها على مستوى الأفكار والبرامج والتطلعات والآمال المعلقة على مشجب التاريخ منذ الاستقلال حتى اللحظة.
ولذلك يمكن تسمية مائدة قاعة الصداقة في مساء الإثنين السادس من أبريل، بأنها لحظة تاريخية، ما زاغ عنها إلا خاسر في سوق السياسة الوطن..!! وكان من الممكن أن تمر هذه اللحظة كسابقاتها اللائي تسربن ما بين فروج أصابعنا طيلة الحقب الوطنية الماضية، لكن ربما تمهلت لنا في ظرف دقيق وكان منادٍ يلح على الجميع «يا بني اركب معنا..»!!
لكن لكل شيءٍ ثمنه وقيمته ورسم بيعه، فالحوار له شروط صحة وشروط وجوب، وكانت كلها حاضرة دون أن تُثار في ذاتها من أول وهلة، لكنها تدلَّت وتنزلت كما تهمي السحاب في هذه اللحظة الفارقة بتوجيهات من أهل الحكم وعلى لسان رئيس الجمهورية، فأزاحت كل عقبة وردمت كل هوة كانت تمنع المضي والمشي فوق تراب التوافق الناعم كأنه تقطر من غبار الخصام والشقاق.
عرف الجميع في الساحة السياسية، أنه قد واتت فرصة لا بد للجسد الوطني فيها أن يتداعى وتلتئم جراحه، وقدم المؤتمر الوطني كحزب حاكم استشعر خطورة المرحلة.. رؤيته وتصوره، فلم يجتهد خصومه وبقية القوى السياسية المعارضة والموالية، في تأويل وتفسير هذه الرؤية والبحث فيها عن مفارقة ومباعدة كبيرة عن برامجهم ومواقفهم وما يطلبونه ويسعون إلى تحقيقه للعيش في فضاء حر ومعافى.. فالتقطوا ما قدم لهم ووجدوا فيه بغيتهم، خاصة أن القضايا التي تشغل الساحة مثل السلام ووقف الحروبات والحريات العامة وحرية التعبير وحرية العمل السياسي والإعلام والتوافق على الدستور وقانون الأحزاب والانتخابات وحل المشكل الاقتصادي، خاطبها التوجه الجديد ورؤية الحزب الحاكم للحوار والتغيير والإصلاح.
وكان لا بد للسودانيين حكاماً ومحكومين، أهل سلطة ومعارضين، أن يتواعدوا عند ملتقى ونقطة لقاء تقيهم شر التمزق والتباكي على وطن إن تركوه ضاع، فصدق الجميع في موعدهم ومواعيدهم، السلطة بكل تجربتها المتطاولة منذ ربع قرن جاءت على وعدها، والتقاها معارضوها عند منعرج اللوى، بعد أن تحاوروا معها وشعروا بجديتها وحرصها على الإصلاح الشامل.
ولذلك اللوحة التي رسمتها مائدة السادس من أبريل المستديرة، كانت تعبر عن رغبة محمومة لدى كل الفاعلين السياسيين في استثمار المتاح من وقت في رتق الفتق، ووضع الأكف على بعضها والبحث بإرادة موحدة عن مخرج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي من الراهن المعقد الذي ناء بكلكله!!
الحوار يحتاج إلى صدقية أكبر وتجسيد عملي لما قيل يوم أمس، فالثقة لم تزل هشة في بعض المواقع وبانت من حديث البعض أمس، لكن ذلك لن يكون مدعاة للتشكك أو التوقف عند منتصف الطريق، الثقة تبنى بالتجربة والتعامل والممارسة اليومية، فهي النقطة الوحيدة التي بدت غير متماسكة، فكل ما ذكر في اللقاء كان متفقاً عليه، فمسؤولية الحكومة وحزبها أن تؤكد جديتها وتقود الدفة إلى حيث تمني الجميع.
أما الأحزاب التي غابت وهي قوى يسارية فقد عزلت نفسها عن أهم ملمح من ملامح الاصطفاف الوطني وراء فكرة صلدة للإبقاء على وطننا متماسكاً وقوياً وقادراً على صناعة مستقبله، فما حدث ليس مناورة ولا مراوغة سياسية، فهو توجه حقيقي، فمن فاتته وتجاوزته هذه الفرصة لن يستطيع إدراك الفريضة الوطنية في وقتها وميقاتها، وقد حكم على نفسه بالانعزال والخروج، فتقديرات الأحزاب اليسارية تقديرات خاطئة لا علاقة لها بالهم الوطني، فهي أحزاب تعيش في شرنقة الظلام تتناوشها الشكوك والظنون والريبة السياسية، وتلتهم أفئدتها أسقام وأمراض التعصب الحزبي والعصاب السياسي، فلا تستطيع أن تتخذ القرار الصحيح أو الاهتداء ببصيرة سليمة إلى الواجب الوطني واللحظة التاريخية الحاسمة.
إذا لم تشارك هذه الأحزاب اليوم وغداً.. فمن أجل ماذا تدَّخر نفسها وأفكارها وخريف العمر يمضي؟!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة