أبشر الماحي الصائم

عودة عزمي.. والراعي

[JUSTIFY]
عودة عزمي.. والراعي

*في إحدى مقالاتها الباهرة، قالت الروائية أحلام مستغانمي، لمَّا كنت أعكف على كتابة إحدى روياتي، كان العالم مشغولاً بحديثين اثنين، أسامة بن لادن وزهرة في إحدى المسلسلات، قالت فكنت أخرج فقط عند المساء لأسأل سؤالين اثنين، هل قبضوا على بن لادن وإن كانت زهرة قد تزوجت من بطل المسلسل!
*وكنت أنا في المقابل أستيقظ كل صباح باحثاً عن إجابة لسؤالين، هل عثروا على الطائرة الماليزية، وهل عاد عزمي عبد الرازق! كان الله في عون الماليزيين، أما بلاد النيل والشمس والصحراء قد عثرت على عزمي في سجلات العائدين ذات ليلة باهرة، فعادت للأحرف دهشتها وللمقابلات الصحفية، متعتها ونضارتها..
*أخي عزمي، غيرك إذا حطت به عصا الترحال في بلاد النفط والدولار يكون همه الأول (جمع الريالات)، فعجبت لك وأنت تفتأ تبحث عن راعٍ سوداني في شبه الجزيرة العربية بالكاد لا يعرف يكتب اسمه! قالها أحمد مطر يوماً.. غيرك شاعر يكتب قصيدة.. أنا شاعر تكتبه القصيدة.. بحيث لا يجتمع في جوف صحفي موهوب عشقان.. عشق الوطن والدهشة الأدبية وعشق الريالات العربية، غيرك يأتي من (باب شريف)، وأنت تعود بشرف الأمانة التي سطرها راعٍ يعمل على حين قراريط لصالح أحد الأثرياء.. إنها لعمري (ورطة النخب والمتعلمون). والدبلوماسيون، فما فعله راعٍ لا يجيد لغة واحدة فشل فيه الذين يتحدثون سبع لغات!
*أخي عزمي، وهل نكبتنا إلا من المتعلمين، كما وصفها يوماً الدكتور منصور خالد في كتابه (النخبة وإدمان الفشل) وهل يغير هذا الراعي الكبير مواصفات الخروج رأساً على عقب، إن كنا في الماضي نحرص على (تصدير المتعلمين) لنجني غير العملة الصعبة أدبيات (الوجه المشرق)، غير أن ما فشل فيه الأكاديميون في أوساط الموت وأعالي المهن، أحرزه راعٍ في قلب الصحراء العربية!
*ألم تكن هذه هي رسالة (النبي الأمي) الذي أخرج الدنيا من ضيق ظلامها إلى سعة أنوارها، هكذا أن رسالة النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم الملقب (بالأمين) يظهرها الله آخر الزمان على أمانة هذا الراعي الأمي! أمة وأمية بعضها من بعض.
*أم أن من الإجحاف أن نصف هذا (الرجل الأمين) بالأمي والمتعلمون الجاهلون يسقطون في امتحان الأمانة، ولعمري من هو الذي أحق بالمتعلم المستنير!
*في تلك المدينة الساحلية الجميلة جدة، الرجل يسألك أن تساعده في العودة لوطنه ببعث ببعض الرسائل إلى المسؤولين، ثم أنت تسأله إن كان عالقاً! فيرد (عالق كيف)! لطالما تعلقت مروؤتنا بأمانة هذا الرجل، فنحن العالقون في محطات الوحل والوهم وساقطون في محات الوطن.
*غيرك أي عزمي يأتي (ببعض طواقي وسبح) هدايا لبعض الأقارب والأصدقاء وأنت أتيت بطاقية الراعي الكبيرة التي تسع كل الرؤوس، بل كل رأس الوطن كما تصلح أمانته سبحة هائلة، أما (شاله) وياله من شال معفراً بالتراب والأمانة أو (مغسلاً ومكوياً) لعمري أنه يصلح أن يحفظ في متحفنا القومي جنباً مع جنب مع سيوف المهدية ومكتنزاتنا الأثرية.
*وتكمن عبقرية الصحافة أخي عزمي في أنها ترعى (رعاة الأمانة) كما كنت موفقاً أنت في إعادة إنتاج (تراجيديا الراعي السوداني) التي عرفتها الدنيا بتفاصيل غير متقنة ونسخ غير أصلية كما الشروق!
*لم يكن الكسب الكبير يكمن في تدفق الأموال في حسابه المفتتح في أحد البنوك هناك، ولكن الكسب الأكبر يكمن في أن كل السودانيين قد افتتحوا للرجل حسابا في قلوبهم وأفئدتهم..
*لا أعرف بأي عودة أحتفي، بعودتك، أم بعودة الأمانة للسودانيين، أم بعودة الراعي المرتقبة، كما اقترح أن تفتح الرجل حين عودته (صالة كبار الزوار) وأن يعزف له السلام الجمهوري، على أن يستقبل الرجل بالقصر ويقلد وسام وفاء النيلين من الدرجة الأولى على يد السيد رئيس الجمهورية..

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي