جاسوس على طريقة الشاويش عطية
أذكر أن بعض صحف الخرطوم قبل نحو عامين أو أكثر كانت قد نشرت خبراً مفاده أن حزب المؤتمر الوطني دافع عن نفسه بشدة، نافياً أي علاقة له بما تردد حول زرع أجهزة تنصت داخل عربة ومكتب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي، ونقلت تلك الصحف على لسان أمين التعبئة السياسية بالحزب الحاكم حينها حاج ماجد سوار تأكيده أن حزبه لا يقود توجهاً تجسسياً ضد أيٍ من قوى المعارضة أو قادتها، وإنما يسعى لعكس ذلك بترسيخ حياة سياسية مستقرة يتمتع فيها المعارضون بحرية في إدارة نشاطهم وعملهم. كان ذاك هو مضمون خبر النفي الذي نشرته بعض الصحف وقتذاك، أما ما لم تنشره فكان هو الخبر المنفي الذي لم يطلع عليه قراء هذه الصحف من قبل، وإنما تفاجأوا به كامناً في سياق النفي وثناياه. كان طبيعياً جداً على الحزب الحاكم أن ينفي وبشدة أي محاولة من جانبه للتجسس والتخابر على الحزب الضرار وزعيمه الترابي (تغير وضعه الآن كثيراً) بانتقاله من خانة العداء السافر إلى المواددة المتدرجة، سواء كان ذلك عن طريق زرع أجهزة تنصت أو غواصات بشرية، بل كان سيكون من غير الطبيعي والمثير للدهشة لو أن الحزب الحاكم قد اعترف على رؤوس الأشهاد بممارسة التجسس والتخابر على الترابي وحزبه حتى لو كانت الواقعة صحيحة مائة بالمائة، والحقيقة أنه ليس من الغريب أو المستبعد أن تحاول القوى السياسية المتصارعة أينما وجدت على امتداد المعمورة، اختراق بعضها بعضا (فضيحة ووترقيت مثالاً). أما عن الدول فحدث ولا حرج، فهناك الكثير من الحكاوي والروايات التي لا يسع المجال لسردها عن محاولات التجسس المتبادلة (ما ورد في ويكليكس عينة منها). لكل ما تقدم بدا لي غريباً ومحيراً الاعتراف الإسرائيلي الجهير بممارستها التجسس على السودان عبر التقرير الذي نشرته صحيفة (تايم أوف إسرائيل) وأتاحته للاطلاع العام رغم جدة الحادثة، فالمتبع والمعروف فيما يخص مثل هذه الأسرار والوثائق أنها لا تذاع ولا تنشر ولا تتاح للاطلاع العام إلا بعد مرور عدة سنوات عليها، وقد دفعتني الحيرة للتشكك في المقاصد الإسرائيلية من وراء نشر هذا الاعتراف العلني، وهذه مناسبة نحيي فيها السلطات الأمنية على إلقائها القبض على أحد هؤلاء الجواسيس الإسرائيليين، فرغم أن محاولات الكيان الصهيوني التجسس على بلادنا لم تنقطع منذ زمان ليس بالقريب، ورغم أن وجود جواسيس لها يقيمون بين ظهرانينا أضحى حقيقة معروفة وتقف عليه عدة شواهد دامغة من لدن (الفلاشا) مروراً بحادثتي (البرادو والسوناتا) ونهاية بمصنع اليرموك وما قبل هذه الأحداث وما بينها من الذي لم نعلمه، إلا أن اعترافها الأخير هذا بكل قوة عين وجرأة ليس من خلال النشر الصحفي فحسب، وإنما كذلك من خلال اعتراف شهير لأحد كبار قادة الجيش الإسرائيلي هو رئيس الأركان الذي صرح علناً بأن عملاء الموساد ينشطون بكثافة بكل من السودان وإيران، ومبعث شكي وحيرتي في هذه التقارير والتصريحات الإسرائيلية هو أنها اعترفت بل وأعلنت وكشفت بكل بساطة تجسسها على السودان، فهل يا ترى هذا تحدٍّ منها أم أنه سذاجة تضاهي سذاجة عمنا الشاويش عطية. قيل أن أهل مدينة ما عرفوا العم عطية خلال سنين طويلة شرطياً يرتدي الكاكي، فتفاجأوا به ذات يوم على غير هندامه المعتاد يلبس الجلابية وفوق رأسه العمامة وعلى عينيه نظارة قاتمة السواد، سألوه مستغربين مالك الليلة يا حضرة الشاويش، معاش ولا إجازة؟ قال بكل براءة لا أنا الليلة بوليس سري نقلوني البوليس السري.. لا أظن أن إسرائيل قد اعترفت علناً بتجسسها علينا على طريقة الشاويش عطية، فما هي إذن حقيقة ودوافع هذا الاعتراف؟.
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي