محمد محمد خير

أسود يوم في حياتي

[JUSTIFY]
أسود يوم في حياتي

قالت لي أمي في حياتها “يا ولدي القرش الأبيض لليوم الأسود”، فقلت فى سري لماذا لا تقول لي “القرش الأسود لليوم الأبيض”، أيهما الأهم القرش أم اليوم و أيهما الأكثر فاعلية ؟ و أيهما الأجمل الأسود أم الأبيض؟! بالطبع ليس لدى أمي ركائز فلسفية للدخول في تلك المتاهة و هي لم تؤلف المثل …
سمعته من أفواه أخرى و اختزنته ضمن نسق الثقافة السماعية لتستشهد به لتقوي حجتها أمام ابنها …و لكن من قال لمجترح المثل أن الأسود قبيح؟
الأسود ليس لوناً حيادياً هو لون أساس، ودونه لا يكون للأبيض مكانته، دونه يكون الأبيض وحيداً ولاطعم له . صفحات الجرائد بيضاء ، و لكنها لا تكتسب صفة و شكل و معنى الصحيفة دون تدخل الأسود . و مهما تكاثرت الألوان الأخرى مزينة للصحيفة يظل الأسود سيد الموقف وأس الصفحات. وملح الصحيفة.
و لكنه لون مظلوم رغم أساسيته و جذريته و دوره في تشكيل كل بنى الحياة . وقع الظلم عليه من العرب الأوائل و أكمل الخواجات كامل التجنى عليه. العرب رموه بالشؤم. و ليس التشاؤم بالغراب تشاؤماً بالطائر . إنه تشاؤم باللون لكن اللون الأسود باقتداره المستمد من طبيعته ظل يحرج انتقاص الأمثال له فلا شعر ولا مثل ولا حكاية قللت من لون الليل أو لون الشعر .العكس يكون الأبيض مذموماً حين يحول الشعر الأسود لأبيض حين يصبح شيباً ينذر بفناء العمر. ويوثق لتقدم السن والضعف والوهن و السقم والأحزان.
هل يعشق أحدنا اللون الأبيض إذا كان شيباً في فروة الشعر الأسود الجميل ؟!
“زي سواد عيونو ..حظي طول دهري”
انظروا إلى هذا التناقض … الشاعر ينطلق من جمال لون إنسان العين و لكنه يرمي كل ذلك الجمال بالشؤم إنها ثقافة الامتثال لذهنية الهيمنة التي تنتج رؤية لا تقوى على نفسها من شر منتوجها.
(قطعاً هذا لايحتاج إلى تفسير ..فأنا لا أعشق من كل الألوان سوى اللون الأسود ….لون الليل على ما أذكر) هذا شعر قديم لعالم عباس ….تأملوا كيف انصف اللون الأسود و مّيزه بهذا التشكيل اللغوي الخلاق …فكان صافياً مع نفسه ومضيفاً حساً لونياً للون الأسود و قارن بين صفاء “عالم عباس” وتناقض “أبو صلاح ” !
أتمنى يوماً يقول فيه المتفائل بأن هذا اليوم “أسود يوم فى حياتي ” و يعني بذلك بأنه أسعد الأيام .حين تترسخ هذه االثقافة الجديدة حتماً كانت ستقول لي أمي “يا ولدي القرش الأسود لليوم الأبيض”.
اللون الأسود لون الوضوح والشفافية المطلوبة هي بالضرورة بعض من ظلال اللون الأسود. و أنا شخصياً لا أعشق من كل الألوان سوى اللون الأسود إنه لون الأسرار و لون الصرخة و لون “تيريزا الجامايكية” و أنا حين أرى تيرزا يكون ذلك إسناد جسدي و سفر روحي “و أسود يوم في حياتي”.

[/JUSTIFY]

أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني

تعليق واحد

  1. مش كان اخير ليك ولينا لو فتحت ليك دكان جزاره..من قروش دبي وبطل كتابه يااخ…كفاك..