قصة موسى هلال!! «1ــ 2»
القضية بالفعل حساسة وتحتاج إلى نقاش موضوعي، بعيداً عن التحيزات والغل وما يوغر الصدور بشأن الشيخ موسى هلال زعيم المحاميد بشمال دارفور أحد أكبر بطون قبيلة الرزيقات، والحديث حول الرجل ملأ الدنيا وشغل الناس!!
هل تمرد بالفعل على الدولة وأعلن عصيانه لها وشق عصا الطاعة؟ أم أنه مجرد حديث وتكهنات أنتجها رحم الخلاف بين الرجل ووالي شمال دارفور عثمان كبر، بعد اتهام هلال له قبل أكثر من عام، بأنه وراء ما حدث في منطقة جبل عامر، عندما اقتتلت القبائل حول منجم الذهب الذي كان يتجمع فيه أكثر من «60» ألفاً من المعدنين التقليديين من داخل وخارج السودان؟ الشيخ موسى هلال، موجود على رأس قبيلته المحاميد منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، عقب تنازل والده عن زعامة القبيلة وهو في عمر «111» سنة، بينما كان موسى قد تجاوز الثانية والعشرين من العمر، بعد تطواف له وهو شاب غرير في العراق وليبيا كحال شباب تلك الفترة، وعرفت عنه في بوادي شمال دارفور، صفات وسجايا زعيم القبيلة الشاب من كرم وشجاعة وجود وحب ركوب المخاطر والمغامرة. لكن ذاع صيته عقب خلافه المشهور مع والي شمال دارفور السابق الفريق إبراهيم سليمان الذي لم يتوانَ في اعتقاله وحبسه وإرساله منفياً إلى سجن الملاحات بمدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر نهاية عام 2002م، ثم نُقل إلى ولاية الجزيرة ليكون في استراحة مشروع الجزيرة قيد الإقامة الجبرية.. وكانت التهمة بأنه عنصر غير مرغوب فيه لتورطه في النزاعات القبليَّة، بينما كان موسى هلال يرى أن استهدافه جرى لإخلاء الجو لحركات التمرد التي كانت ناشئة حينئذٍ لتبيض وتفرخ وتصفر.. واتهم هو من جانبه الفريق إبراهيم سليمان بالتسبب والتساهل وربما التورط في ظهور تمرد دارفور.
وبعد الهجوم على مطار الفاشر في عام 2003م، وانتشار نشاط الحركات المتمردة التي كانت حتى ذلك الوقت حركة واحدة «حركة تحرير السودان»، اضطرت الحكومة إلى إطلاق سراح موسى هلال، والتفاهم معه على الانخراط في عمليات الاستنفار الشعبي ومواجهة التمرد، لمعرفة الحكومة بدوره وأثره وتأثيره على القبائل في مناطق شمال دارفور خاصة العربية منها وفي ولايات دارفور الأخرى.
ومنذ تلك اللحظة بدأ نجم موسى هلال في الصعود، ليس بصفته القبلية وإنما بوصفه قيادة شعبية على الأرض استطاعت تحقيق نجاح باهر في الاستنفار وتجييش الأهالي لمجابهة التمرد، وخلال فترة قصيرة استطاع هلال جمع أعداد كبيرة من أهالي شمال دارفور، خاصة القبائل المقاتلة وأغلبهم من أهله، وخاض بهم بنفسه معارك ضارية في مناطق جبل مرة في الجزء الشمالي منه، ودمر معسكرات المتمردين هناك ولاحقهم بمناطق «جبل سي» وفي أقصى شمال غرب الولاية.
وتجمع حول موسى خلق كثير من أبناء القبائل وشبابها الطامحين إلى الالتحاق بصفوف الجندية والقتال ضد الحركات التي لم تخف في بداياتها توجهاتها القبليَّة والعنصرية بحكم تكوينها ونشأتها..
وتساقطت الأضواء مع اشتداد أوار قضية دارفور على موسى هلال، وصار نجماً تتسابق إليه الفضائيات ووسائل الإعلام والصحف المحلية والعالمية مع ظهور مصطلح «الجنجويد» الذي بُعث من مرقده القديم ليكون صفةً ملازمةً لمن استنفرتهم الحكومة للقتال ضد الحركات المتمردة.. وصار اسماً وعلماً تسير به الركبان.. ونمت علاقته سريعاً وبقوة مع الدولة وقياداتها ومع كبار المسؤولين، وارتبط بقضية الحرب في دارفور إلى درجة تداول اسمه داخل مجلس الأمن الدولي الذي صدرت منه قرارات وعقوبات طالت ما يتخيله المجتمع الدولي ثروته الشخصية في المصارف وحساباته المتوهمة خارج السودان وحظره عن السفر الخارجي.
ومع أنه شخصية مثيرة للجدل وتستقطب إعجاب الناس وبغضهم في آن واحد، عاش موسى هلال حياته كما يشاء، سواء كان مقيماً في الخرطوم أو في الأباطح والبوادي بدارفور، له كبرياء وشموخ أنف واعتداد بالنفس لا تخطئه عين، وكان ذلك لا يعجب بأي حال من الأحوال بعض المسؤولين والقادة وزواره الكثر من الأجانب الذين تسامعوا به ورغبوا في لقائه والتحادث معه.. وانقسم الناس حوله، إما كاره حانق أو محب عالق!!
وسارت الأمور هكذا لسنوات، ولم يكن هناك خلاف أو سوء تفاهم بين هلال ووالي شمال دارفور كبر، وإن كانت العلاقة بينهما باردة متجمدة صيفاً وشتاءً.. فلم تشهد دفئاً يقربهما، ولا صقيعاً مفرطاً يباعدهما إلى حد التغابن والتباغض. «يتبع»
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة