سلفا كير وطه ونافع.. اختراقات ذكية وفتوحات سياسية.. سيناريوهات الحرب التشادية وخيوط المؤامرة
فالزيارة التي وصفها النائب الأول للرئيس سلفاكير ميارديت بأنها تاريخية أثلجت قلب الوطن وطمأنته إلى أن قيادة الدولة عازمة على تحقيق امن وسلام واستقرار عبر مخاطبة القضايا التي ظلت تشكل عبئا على امن البلاد خلال المرحلة الماضية.
ووصول علي عثمان إلى جوبا برمزيتها الوحدوية وثقله السياسي دليل على توجه الدولة نحو تبني خيار الوحدة الجاذبة، فالنائب الأول لرئيس الجمهورية عرف بحرصه المتناهي على اتفاقية السلام والتعاطي الجاد مع إخوانه في حكومة الجنوب وصولا إلى حلول شافية لكثير من المشكلات التي تعترض مسيرة السلام.
ووصول سياسي بثقل على عثمان إلى جوبا كان مقدمة إلى أن السودان موعود ببشارات سارة تخاطب قضايا مركزية ذات صلة بأمنه واستقراره. فالرجل لم يخيب ظن الشعب السوداني فقد كانا هو وأخوه سلفاكير في مستوى التطلعات حيث توصلا إلى حلول بشأن التحكيم في أبيي والانتخابات وإرساء ملامح الوطن الموحد الذى تظلله قيم المواطنة والعدالة والتسامح.
وعلي عثمان برمزيته التاريخية في ملف السلام وانحيازه المطلق لهموم المواطن أراد بزيارته إلى جوبا تعميق التواصل مع حكومة الجنوب وإخوانه في الحركة الشعبية ورأى أن وصوله إلى هناك يجسد خارطة الوطن الواحد المهموم بمشكلات تقتضي إيجاد حلول سريعة وناجزة تحفظ توازن الخارطة عبر العناية بما حملته اتفاقية السلام الشامل.
والاختراقات الذكية التي توصل إليها سلفاكير ميارديت وعلى عثمان محمد طه في اجتماع اللجنة السياسية العليا التي استضافتها جوبا حملت التأكيد على ان الرجلين ارتقيا بوعيهما السياسي إلى مصاف الانتماء المطلق لهذا الوطن، وانتقلا بالشراكة السياسية من المفهوم الثنائي إلى دائرة الهم الوطني المشترك فاستحقا التحية وخلدا في ذاكرة الوعي نموذجا رشيدا للقيادة المثالية.
عقلانية سلفا كير
وسلفاكير ميارديت ما زال يجتهد فى ادارة دفة الحركة نحوالعقلانية والاعتدال على الرغم من محاولات اليساريين داخل الحركة الذين يعتقدون ان انتاج الازمات هو الطريق الاوحد للاحتفاظ بمكاسب ما بعد النضال، غير ان سفينة السلام ماضية على الرغم من العراقيل التي ظل يضعها يسارالحركة ويغذيها اصحاب الاجندة الذين يرون ان الشمال بخلفياته الموروثة مازال يفرض وصايته على الجنوب، لكن على عثمان يفند آراء كل هؤلاء وهو يقود وفدا وزاريا للالتئام باشقائه فى جوبا.
فالنتائج التي توصل اليها اجتماع جوبا قفزت فوق التوتر والاحتقان وارست معالجات لكثير من النقاط التي كان ينفذ خلالها المتربصون باتفاقية السلام. فإقرار (11) لجنة لايجاد معالجات لما يعترض مسار نيفاشا يجسد ارادة المؤتمر الوطني والحركة وحرصهما على تنفيذ الاتفاقية باعتبارها طوق النجاة لهذا الوطن.
والتوصل الى اتفاق حول موضوع ابيي بشأن آلية وشروط التحكيم مثّل انجازا مقدرا لتجاوز الازمة بين الشريكين وجعل الطرفين على اعتاب تجاوز اكبر العقبات التي اعترضت مسار الاتفاق حيث كان لافتا ان التراضي ظلل مواقف الطرفين وهما يقران اختيارمحكمين دوليين اثنين بواسطة كل طرف على ان يختار الاربعة المرشحون قاضيا خامسا ويكون ذلك عبر احالة التحكيم الى محكمة لاهاي الخاصة بترسيم الحدود، ونرى ان اتفاق الجانبين على ان يكون تفويض المحكمين الدوليين محصورا فى تقييم مدى التزام الخبراء فى تقريرهم السابق بحدود «1905» انتصاراً لنداء عاقل ظل يدعو الى ضرورة تجاوز شريكي نيفاشا لتقرير الخبراء الذى جاء متحاملا ومخالفا لكثير من الحقائق الجغرافية والتاريخية، ولعل باقان اموم الامين العام للحركة الشعبية لم يستبعد ورود خطأ فى هذا التقرير إبان مخاطبته لابناء المسيرية خلال زيارته التي انهاها أخيراً لدولة قطر.
روح الشراكة
وبقدر ما أراد على عثمان، فقد اعاد اجتماع جوبا الروح الى الشراكة السياسية وهو يتوصل الى اتفاقيات راسخة حول علاقة المؤسسات القومية فى الجنوب بالحكومة المركزية، فقد كان هذا الامر مدخلا لكثير من العابثين بمصير السودان وسلامه، وليس ما حدث من محاولات لتخريب التعداد فى الجنوب ببعيد، فالعلاقة بين مؤسسات الجنوب والحكومة المركزية ظلت بحاجة الى مراجعات منتجة لإحكام التنسيق وضمان تنفيذ نصوص الاتفاقية.
ولعل المعالجات الامنية والسياسية التي اقرها الطرفان لمواجهة الاعتداءات التي تتعرض لها شركات البترول فى الجنوب تؤكد بوضوح ان الاحساس بالمصير المشترك حمل سلفا وطه الى الحرص على عدم مغادرة أية صغيرة أو كبيرة من شأنها هز العلاقة بين الشمال والجنوب. وقد كان لافتا فى فعاليات اجتماع جوبا ما توصل اليه الطرفان من اتفاق ابقى على البنك الزراعي فى الجنوب بصيغته الاسلامية لمدة عام آخر وفى مثل هذا التطور ترسيخ لمضامين التعاون وتفهم رفيع من حكومة الجنوب ومغادرة بالوطن لمربع احتمالات الانفصال التي كان يغذيها اليسار داخل الحركة الشعبية «مزاودة» عبر إثارة قضايا من شأنها هز الثقة وعرقلة خطوات الوحدة الجاذبة.
جمعة مباركة
ولا بد من الاشارة الى صلاة نائب رئيس الجمهورية في جوبا جمعة مباركة ومخاطبته للمصلين فى خطوة نادرة لمسؤول فى الشمال وقد جاء الخطاب مليئا بقيم النصرة والتسامح والدعوة الى الاعمال الصالحة على الرغم من مرارة الشكوى التي طرحها المسلمون من تجاوزات تقترف بحقهم من قبل حكومة الجنوب. فكانت الكلمة الطيبة التي اشفت صدور قوم مؤمنين وبذات الاعتدال والاتزان كان حرص على عثمان اكبر على مشروع السلام وهو يخاطب انصار المؤتمر الوطني الذين جاءوه بمرارات المعاملة التي يتلقونها من قبل الحركة الشعبية الا ان النصيحة بضرورة الصبر كللت خطاب طه والدعوة الى الحفاظ على السلام مثلت سنام الموعظة بضرورة حماية استقرار الجنوب من الآفات الضارة.
لقد راهنت زيارة على عثمان الى جوبا على وعي متقدم لسياسي من طراز فريد ورجل دولة حكيم تسامى فوق جراح منسوبيه وحزبه من اجل الوطن واعمل الدعوة بالحسنى مقدما درسا للمراهنين على فشل السلام بأن المؤتمر الوطني مدرسة رسالية ووطنية تعلي من الشأن القومي ولا تتعامل بردود الفعل بل بنهج الحوار والمجادلة بالحسنى والموضوعية وبكامل الشفافية.
فتوحات نافع
كما كانت زيارة د.نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني للشئون السياسية والتنظيمية مسؤول ملف دارفور الى شمال دارفور تأكيداً لإهتمام القيادة العليا بهذا الجزء العزيز من الوطن، ومثلت الرسائل التي اطلقها الرجل فى لقاءاته بالفاشر ومحليات شمال دارفور برنامج عمل متكامل يؤكد بجلاء ان قضية دارفور باتت تمثل اولوية قصوى فى برنامج الحكومة، ولأن د. نافع يعني ما يقول دوماً فان المراقبين يشيرون الى دلالة التوقيت والمكان وهي توضح ان ما ذكره سيكون له ما بعده، والرجل بحكم مزاجه السياسي الحاسم وانجازاته التنفيذية المشهودة وتاريخه الناصع فى مجال العمل السياسي كصاحب كلمة ناجزة ووعد أمين قدم اجابات كبيرة خلال لقاءاته اشفت غليل كثير من الاسئلة التي انتجتها ازمة دارفور المصنوعة . فالدكتور نافع وعد بتسوية أزمة الاقليم قريبا جدا، وعبر جهود تقودها الحكومة لتسريع المحادثات مع المتمردين وإعادة توطين اللاجئين والنازحين فى مناطقهم الأصلية، وحسم التفلتات الأمنية. وقد لخصت افادات نافع مطالب القوى المستنيرة فى دارفور والمجموعات الحادبة على امن الوطن وجاءت بشارة سارة للمواطن المغلوب على امره فى تلك البقعة بعد ان اختارت مجموعة من الخارجين على قيمه وتقاليده المتاجرة بقضية الاقليم ووضعها فى مزاد رخيص للمتاجرة باسمه فى مزادات التآمر الدولي المعلن على السودان. فخطاب نافع لدارفور استجاب للهواجس الملحة والاسئلة الراهنة وهو يعد بتسوية قريبة للازمة عبر تسريع الحوار مع المتمردين وقد حمل وضوحا فى الخطاب السياسي وجلاء فى الفكرة وموضوعية فى الطرح جعلت منه خطابا عقلانيا ينفذ مباشرة الى القلوب لأنه خاطب افرازات الازمة المصنوعة، فتحدث عن إعادة توطين اللاجئين والنازحين فى مناطقهم الأصلية، وتعهد بحسم التفلتات الأمنية ببصيرة سياسي يعي ما يقول وهو يمثل احد الاضلاع المهمة فى منظومة القيادة السياسية عبر موقعه فى قيادة المؤتمر الوطني أوالجهاز التنفيذي.
النازحون أولوية
ان المواطن السوداني ظل هدفا نبيلا لبرامج المؤتمر الوطني الذى آثر ان يكون مهموما بنبض الجماهير التي استأمنته على مستقبل البلاد والعباد، وها هو د. نافع يضع همّ النازحين واللاجئين فى المعسكرات اولوية قصوى تسعى الحكومة الى الاهتمام بها عبر التصدي لافرازات الحرب التي ادارتها ثلة مأجورة من ابناء هذا الاقليم اسلمت قيادها للوبي الصهيوني وفتحت مزاداً للسمسرة باسم قضايا الاقليم غير آبهة بمصير العزل من ابناء هذا الوطن الذين لا تمانع من استخدامهم وقودا فى معركة خاسرة يرمون بها للوصول الى الثراء والسلطة مثلما فعل خليل ابراهيم فى معركة (الذراع المكسورة). ولم يمض د. نافع بعيدا عن استراتيجيات الحكومة الرامية لتكثيف الاهتمام بالمواطن الذى راح ضحية للأجندة الذاتية وهو يعد بـ(أن الحكومة ستقود عملا جادا ومتصلا مع النازحين حتى يتمكنوا من العودة إلى قراهم لتعميرها وتزويدها بالخدمات حتى تعود أفضل مما كانت عليه) ويمضي فى العهد الى ابعد من ذلك وهو يضيف (لن نخذل النازحين أبدا، لأننا غير سعداء بالأوضاع التي يعيشون فيها الآن، والتي لا يستفيد منها إلا بعض المنظمات والحركات).ولعل د. نافع الذى خاطب مواطني الفاشر على الهواء الطلق اراد التأكيد على مواقف معلنة كان يردد المتمردون انها شعارات تخص الخرطوم، غير ان مساعد رئيس الجمهورية تحصل بعقلانيته وطرحه الوطني الخالص على استفتاء شعبي يدعم مواقف الحكومة المعلنة من قضيتين جوهريتين الاولى تتصل برفض التعاون مع المحكمة الدولية والثانية باستثناء حركة خليل ابراهيم من الحوار جراء ما اقترفته يدها الآثمة فى ام درمان وهي تؤكد أنها بعيدة كل البعد عن قيم وموروثات واخلاق دارفور، وقد اكد د.نافع (ان الحكومة مستعدة لاجراء محادثات مع أبناء دار فور الذين يحملون السلاح من اجل الوصول معهم إلى سلام شامل ومستدام)، كاشفا عن حوار مباشر يجرى مع عدد من حركات التمرد دون وسيط، لكنه استثنى حركة العدل والمساواة بزعامة خليل ابراهيم.
توازن حكومي
وقد اتسم خطاب د. نافع بعقلانية تؤكد توازن الموقف الحكومي واطمئنانه لمآلات الاوضاع فى دارفور بعد ان برهن هجوم العدل والمساواة على بطلان حجة الحركات وكشف بجلاء ووضوح ان ما تثيره من دعاوى بغيضة للعنصرية والجهوية ما هي الا محاولة للوصول الى كرسي الحكم حتى وان كان الثمن استخدام اطفال دارفور كوقود لتحقيق المطامع الخاصة والاجندة الذاتية.ولعل ابرز ما حملته تأكيدات نافع تجديد الحرص على التعاون مع الاسرة الدولية لتحقيق السلام فى الاقليم واثنائه على جهود مبعوثي الأمم المتحدة والاتحاد الافريقى الى دارفور يان الياسون وسالم احمد سالم لتوحيد الفصائل المتمردة، على الرغم من اشارته الى أن بعض الدول الغربية ما زالت تتخذ من قضية دارفور مسوغا لتقسيم السودان إلى أقاليم بغرض التحكم في موارده.لكن تبقى الاشارة الى ان الوعي السياسي الذى يتمتع به د. نافع قاده للحديث مع اخوانه فى دارفور بشأن محاولات الطابور الخامس لترويجات جهوية وعنصرية بغيضة ترمي لتفكيك النسيج الاجتماعي عبر القول باعتقال ابناء دارفور فى الخرطوم بصورة انتقائية وعشوائية عقب هجوم متمردي العدل والمساواة على ام درمان الشهر الماضى، اذ فند الاتهامات بقوله (نحن أصحاب قيم ودين ولسنا في حاجة إلى من يعلمنا كيف نمارس العدالة مع هؤلاء.) لقد مثلت جولات د. نافع فى محليات شمال دارفور فتحا سياسيا للمؤتمر الوطني فيكفي انه اخرج «1400» اسرة للقائه فى حسكنيتة ونأمل ان تتواصل جولات نافع فى جنوب وغرب دارفور لمزيد من التلاحم بين قيادة المؤتمر الوطني والمواطنين فى تلك المناطق.
سياسة الانتحار
.. وننتقل من الجنوب ودارفور غرباً الى العشوائية العسكرية وسياسات الانتحار التي تمارسها تشاد ضد السودان.
ونقول إن هناك تحولات كبيرة في السياسة الفرنسية تجاه تشاد.. وقد كشف عن هذه التحولات الرئيس ساركوزي في خطاباته الأخيرة حينما دشن مسألة تخفيض قوات الجيش الفرنسي بنسبة كبيرة، وهذا سيؤثر على موضوع مد أفريقيا الفرانكفونية.. وسيؤثر على سياسات فرنسا على تشاد ويؤثر على سياسات فرنسا على السودان.. ولعل هذا التأثير أفصح عنه «كوشنير» في تصريحاته الأخيرة بأن فرنسا لن تتدخل بعد اليوم في النزاع التشادي.
ونحن نعلم أنه توجد في أفريقيا «24» دولة افريقية «فرانكفونية». ثلاثة وعشرون منها في غرب أفريقيا ووسطها.. وواحدة في شرق افريقيا هي «جيبوتي».. كما أن كل المنظومة الفرانكفونية تضم بضعاً وخمسين دولة.
ونعلم أن فرنسا الآن ولأول مرة في تاريخها يحكمها من هو ليس خالص «الفرنسية».. ومن هو ليس فرنسياً صميماً.. لأن ساركوزي ليست لديه عواطف فرانكفونية صميمة.. فمن ناحية العرق «يهودي».. ومن ناحية اخرى هو مهاجر وافد الى فرنسا وجذوره من شرق أوروبا.. كما أنه وافد إلى حقل الثقافة الفرنسية.. فساركوزي على النقيض تماماً من «ديجول» والمدرسة الفرانكفونية.. لا يرى خطراً في التنسيق مع «الأنجلوفون» ومع أمريكا كما كان يرى «ديجول».. بل لا يرى خطراً في مقاسمة الفرانكفونية مع أمريكا.
ولذلك نرى الآن أن أمريكا تتقاسم النفوذ مع فرنسا في دول كانت حكراً على الفرانكفونية.. كالسنغال وجيبوتي والغابون وتشاد والكونغو برازافيل والكاميرون ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتوغو وغينيا كوناكري بالاضافة الى دول المغرب العربي.
إذاً، علينا أن ندرس تأثيرات تخفيض النفقات العسكرية الفرنسية وعلاقة ذلك بالاستراتيجية «الفرنسية -الأمريكية» وتقاسم النفوذ واللعبة الدولية في الخارطة الفرانكفونية. فالسودان موجود على هامش قائمة الدول الأنجلوفونية يطل على دولتين فرانكفونيتين.. بل السودان هو مفتاح الفرانكفونية.. لأنه يطل من ناحية على تشاد وافريقيا الوسطى ويطل كذلك على الكونغو كينشاسا التي هي واحدة من درر الدول الناطقة بالفرنسية.
مأزق الفرانكفونية
والفرانكفونية اليوم تواجه بنهضة القبائل الإفريقية المستعربة التي تبحث عن التوطن والتمدن والتأصيل الثقافي.. والتي كانت مهمشة من قبل الفرانكفونية.. ولذلك تجد الفرانكفونية في «مأزق» حقيقي، فماذا هي فاعلة مع هذا التحول الديموغرافي الكبير الذي تمثله القبائل الممتدة على أطراف الصحراء التي نمت وتكاثرت وأصبحت قوة وتؤازرها قبائل الطوارق وغيرها من القبائل الشبيهة.
ولذلك نجد أن هناك «كذبة» يتحدث بها ساركوزي وتتحدث بها الاستخبارات الفرنسية والدولية.. وهي أن قوات «اليوفور» الأوروبية التي انتشرت في شرق تشاد جاءت لحماية اللاجئين!
ونسأل: لماذا لا تحمي القوات الأوروبية اللاجئين الذين يغرقون وهم يحاولون العبور نحو أوروبا.. وإذا كانت هذه القوات جاءت لحماية اللاجئين فلماذا نراها تحاصرهم وتمنعهم من دخول الشواطيء الأوروبية وتمنعهم حتى من العودة الى مواطنهم، بل تسمح للمتمردين بالتجنيد القسري للأطفال وانتزاعهم من أحضان ذويهم تحت سمعهم وبصرهم.. ولماذا نرى الدبلوماسية الأوروبية تنشط في تكبيل دول الساحل بالاتفاقيات الأمنية ضد تحركات اللاجئين، حتى أصبح اللاجئون يغرقون في البحار والمحيطات.. وإذا كانوا فعلاً حماة للاجئين فأين هم من الصومال.. وأين هم من الكونغو الديمقراطية.. وأين هم من مئات اللاجئين العابرين للحواجز السياسية أو العابرين للهوامش.. ولماذا يعاملونهم بدون اكتراث بينما يتكلمون عن حماية اللاجئين في دارفور وشرق تشاد.. وهي حماية أشبه بالمحميات الحيوانية.
أين هم من حماية لاجئي الصومال والسنغال وغرب افريقيا والمتوجهين نحو أوروبا الذين نشاهدهم بشكل يومي عبر الفضائيات وهم غرقى وقتلى في الزوارق. أين هم من حماية اللاجئين في جنوب افريقيا.. وأين كانوا وقت عمليات الإبادة التي حدثت للتوتسي.. والآن ما يجري في الكونغو تحت سمعهم وبصرهم.
من يصدق ان أوروبا تحرك قواتها شرق تشاد وفي مناطق صعبة ووعرة لحماية اللاجئين.. فمِنْ مَنْ تحمي اللاجئين.. هل القوات السودانية على وشك مهاجمة اللاجئين الأبرياء والضعفاء.. هل يوجد في تاريخ السودان وهو بلد «اللجوء» الذي فتح أبوابه للثورتين الاريترية والإثيوبية.. وفتح أبوابه للثورة التشادية ولمناضلي الكونغو.. يمكن ان يكون الآن خطراً على اللاجئين.. هذا كلام خبيء وخبيث إن صدقناه فمعناه أن ليست لنا عقول.
تقسيم أفريقيا
إذاً، هناك استراتيجيات كبيرة لإعادة تغيير خارطة المنطقة، وأن هذه القوات الأوروبية والفرنسية هي مجرد رأس جبل الجليد الذي يستبطن خبر ونوايا إعادة تقسيم إفريقيا، والاستحواذ على ثرواتها.. ونحن نعلم أنه في الأضابير الدولية والملفات الدولية هناك محاولات جادة، إما لوصول حاكم أسود نصراني الى سدة الحكم في السودان.. أو تقسيم السودان الى كيانات متفرقة.. كيان جنوبي.. وكيان دارفور وكيانات الفيدرالية الإثنية والعرقية.. ونعلم كذلك ان سيناريوهات ما يجري في تشاد لن تخرج عن ثلاثة سيناريوهات.. كما يجب أن تقرأ هذه السيناريوهات في ضوء مرض الرئيس «ديبي» بداء لا براء منه.. ويقال إن الاستخبارات الفرنسية تعرف أن بقاء الرئيس التشادي على وجه الدنيا قصير..
وفي إطار هذه السيناريوهات فإن السيناريو الأول هو أن تظل الحرب الأهلية مستمرة طالما ان البترول يتدفق عبر ميناء «دوالا» الكاميروني على خليج غينيا الى الشركات الأمريكية والأوروبية.. وطالما أن القانون رقم «100» الذي أجازه مجلس البرلمان التشادي ما زال سارياً فلا بأس أن يظل التوتر في تشاد.. وأن يظل التوتر في دارفور.. وأن لا تكون هناك غلبة الى أن يخرج الرئيس «ديبي» بالموت الطبيعي، ثم يدعى الجميع امام الأمر الواقع للسؤال عن من سيخلف «ديبي».. ولعل هذا سيكون أقوى السيناريوهات خصوصاً وأن القوات الفرنسية والأوروبية تعلم ان الرئيس ديبي لا يمثل نظام الأغلبية وأن «الزغاوة» في تشاد لا يمثلون على أحسن الفروض «5%».. بل هناك دراسات تقول إن الزغاوة في تشاد لا يزيدون عن «3%».. والفرنسيون لا يريدون ان يفقدوا ودّ كل القبائل التشادية الاخرى.
ولكنهم كذلك لا يريدون تغييراً سريعاً للنظام حتى لا تنحل مشكلة دارفور وحتى لا يغضبوا ليبيا.. فليبيا كذلك عندها إشكالات مع بعض مكونات المعارضة التشادية.. وتعتقد أن البديل يمكن ان يكون جماعة «القرعان» التي حاربت ليبيا من الثمانينات.
ليبيا وتشاد
أما السيناريو الثاني.. فهو أن تستطيع المعارضة التشادية وبعد أن توحدت تحت رئاسة محمد نوري ان تطيح بحكومة إدريس ديبي وأن يلجأ ديبي الى احدى دول الجوار.. ونعتقد أن هذا السيناريو أيضاً لن يكون سهلاً تحقيقه لأن ليبيا ستقاتل الى آخر طلقة مدفع حتى لا يسقط نظام «ديبي» لاعتقادها ان سقوط نظام انجمينا سيكشف ظهرها أمام أعدائها.. كما أنه سيقلل من هيبتها في دول الجوار ودول الساحل والصحراء وهي الدولة الرائدة التي تعتقد أنها تشكل وتصنع افريقيا الجديدة.. أما السيناريو الثالث وهو أيضاً سيناريو محتمل وهو في حالة تقدم المعارضة وانحياز كل الشعب التشادي لها وفي ظروف مرض الرئيس ديبي يحدث «إنقلاب» داخلي خصوصاً وأن المرشح لهذا الإنقلاب الداخلي بدأت تظهر نذره في تعيين «يوسف عباس مصطفى» وهو من قبائل البرقو أو الوداي رئيساً للوزراء، ولأول مرة يدخلون في معادلة الحكم. وأصبح ساركوزي يتحدث عن حكومة «ديبي -عباس» وانتقال وزارة الدفاع الى قبائل «السارا» وهي القبيلة المحظية لدى الفرنسيين لأنها قبيلة «منصّرة» ومسيحية ممثلة في «عبدالقادر كاموجي»، والمعروف تاريخياً بأنه الذي صفى «تمبل باي».. ويمكن ان يقوم بهذه المهمة مرة أخرى إذا ما أكدت له الاستخبارات الفرنسية انه سيكون جزءاً من المنظومة الجديدة التي ستحكم تشاد.
إذاً، هذه هي سيناريوهات ثلاثة.. وعلينا في السودان ان ندرسها ونوازن بينها ونرى كيف ستكون خياراتنا سواء أكان بالتنسيق مع ليبيا أو بالتفاهم مع فرنسا.. ففي مثل هذه الظروف لا تنفع العزلة ولابد من حوار إقليمي ودولي.. والدولة السودانية لها قضاياها ومسؤوليتها ولا يمكن أن تنجر إلى صراعات تهدر الطاقات والأموال وليس لها جدوى كالصراع التشادي.. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، ها هي الأخبار تؤكد أن تشاد ضالعة إلى النخاع في التآمر ضد السودان بدليل أن المعارضة التشادية استطاعت أن تصادم فلول «العدل والمساواة» في «أم زوير» وأن تعتقل قائدها «أبوبكر أوشلى» وكذلك أن تستولي على «35» عربة بتجهيزاتها، وأن تدمر عشرات العربات الأخرى.. بينما لاذ بعضها بالفرار.. وهذا يؤكد خبرنا الذي ذكرناه في مقالنا السابق من أن خليل إبراهيم وبعد اندحاره المهين قد تحصل على مائة عربة جديدة.. ولكن ها هي تُدمر مرة أخرى.. وها هو يحاول زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة.
وإذا كان خليل يحاول زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة في تشاد فهل يا ترى سيقف السودان مكتوف الأيدي؟
الله أعلم..
علي إسماعيل العتباني:smc[/ALIGN]