الرائد المنسي
محبة كبيرة أكنها منذ الصبا لشاعرين من شعراء العامية السودانية، وأزعم أنهما من روادها ربما ظلمهما ظهورهما المشع عبر تنظيم (ابادماك) المحسوب على اليسار.. فتم تعتيم على تجربتيهما.. هما الشاعر الفذ حدربي محمد سعد، والشاعر خالد الذكر الراحل يوسف خليل، وعلقت في ذهني قصيدة لكل واحد منهما.. (كوفاتين وتوب دمور) لحدربي.. و(الجرب) ليوسف.. لكني قرأت لهما فيما بعد إشعاراً لو كانا في مصر القريبة دي لكانت دواوينهما في الساحة تطلع عليها الأجيال..
وأنا أتفكر في طريقة لإحياء إشعارهما.. على الأخص الشاعر حدربي لأنه أكثر انتاجاً من يوسف خليل الذي انشغل بكتابة المسرحية والقصة القصيرة بجانب الشعر، بينما أخلص حدربي لشعر العامية.. وربما كانت لديه مواهب مثل يوسف لكنه لم يظهرها..
وفي غمرة ذلك كنت أعد برنامجاً للإذاعة القومية وكنت أقصد بالحديث الفنان الراحل حيدر حدربي.. فذكرت حدربي محمد سعد- أمد الله في أيامه- هذا السهو لم يكن مقصوداً وهو من الأخطاء التي يتسبب فيها حصار الأشخاص مثلما حدث لكاتب الرأي العام محمد عثمان في زاويته بالصحيفة، إذ كتب نقداً للسر السيد في حين إنه كان يقصد الفاتح السيد..
صحيح مرت الحكاية ولم ينتبه اليها الناس، لكن وجدت إنه إلزاماً عليّ أن أنوه عنها.. فالاعتراف بالخطأ خير من الدغمسة.. لكن يجب أن نعتبرها مناسبة لتكريم هذا الشاعر القدير والرائد.. ولما كانت شركة الاتصالات المرموقة تلك تحتفي بابداعات الشايقية بحرارة فانبههم الى أن حدربي هذا شايقي..
وإن كان في ماضيه إشارات يسارية فقد احتفوا بالراحل (حميد) في حياته ولعل يساريته معروفة، بل تبدو في سلوكه الاشتراكي الإنساني الخيِّر.
تجربة حدربي محمد سعد تستحق الانتباه لأن ريادته في الشعر العامي إن لم يكن قد سبق بها شعراء العامية المصرية الأفذاذ.. فؤاد حداد.. وسيد حجاب.. والابنودي.. ونجم .. فقد تزامن ظهوره معهم..
ليست بحوزتي نماذج من أشعار حدربي واذكر أن الأخ أحمد طه (الجنرال) كان قد نشر له أشعاراً بالعامية في ملفه الشهير كل جمعة في صحيفة السوادني.. أتمنى أن يعيد نشرهما الآن، وقد انتقل بملفه الى صحيفة الصحافة.
فقد اذكر مطلع قصيدته العصماء (كوفاتين وتوب دمور).. وهي عن مناضل اسمه الخير ظلت كل الأنظمة منذ عهد الانجليز تعتقله.. وسأكتب لكم المطلع وأتمنى أن لا تكون ذاكرتي مثقوبة أكتبه حتى أجعل من يقرأ يذهب ويبحث عن أشعاره ليرى الى اي حد هو شاعر قدير ..
إن قلنا دايرين القميص
قالوا لنا.. اصبروا.. اصبروا خلو اخوكم الخير يشتغل
وإن قلنا دايرين النعال
قالوا لنا اصبروا.. اصبروا خلو اخوكم الخير يشتغل
وراس أمي منقوض بالشهور حفان وما ضاق الدهن
واختى بقت للتوب زمان.. والطرحة العليها اتقطعت
يوم أمي قالت لي أبوي البت خلاص للتوب بقت
كورك وقال والله ماها كبيري بس شايلنها الكرعين
أو كما قال الشاعر.
الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]