رأي ومقالات

الشهيد الكابتن مازن الحولي : لن ننساها لك أبدا

الشهيد مازن الحولي : لن ننساها لك أبدا
عثمان الكباشي
في الصباح الباكر بعيد الشروق في يوم 2/7/2023 ، تفاجأ سكان قريتنا الكباشي شمال الخرطوم بحري بطائرة ميج مقاتلة في حالة هبوط سريع ، تكاد تلامس أسطح المنازل المتلاصقة .
لاحظ الجميع أن قائد المقاتلة يسوقها نحو الغرب ، يحاول جاهدا أن يجنبها السقوط على رؤوس المواطنين الذين تزدحم بهم القرية .
خرجت القرية عن بكرة أبيها ، لا أحد داخل البيوت ، يراقبون بقلق شديد مسير الطائرة .
الدعوات تتلاحق ، الكل يردد : يارب سلم ..يارب سلم .
المتفاؤلون من الناس كان رجاؤهم أن يتلطف الله على القرية بأقدار أخف مما يشاهدونه بأعينهم .
آخرون ذهب بهم الظن أن هذه كارثة محققة ، ولأنهم يعرفون إزدحام المنازل بالسكان ، لبضع ثواني طافت بخيال البعض مناظر الكارثة الوشيكة .
الكل خرج يتعقب اتجاه الطائرة غرب القرية في اتجاه نهر النيل.
لم يخرج الكابتن من الطائرة عبر كرسي النجاة كما يحدث عادة في مثل هذه الحالات ، ولو أنه حاول ربما نجح ، فما كان يفصله عن نهر النيل إلا أقل من مئتين متر ، وبعدها أن يلتحق بالجيش المنتشر بكثافة غرب النيل .
نعم لم ينجو بنفسه كما هو متوقع ، ببساطة لأنه كان مشغولا بتجنيب القرية كارثة لو حدثت ربما تكون كارثة القرن ، وأكبر فظائع الحرب التي فرضتها المليشيا وأسيادها وأعوانها على السودان وأهله .
نجح قائد الطائرة في تجاوز القرية غربا ، وبعد نحو أقل من 20 متر من أقرب مبنى في القرية سقطت الطائرة .
رجح الناس حينها بأنها ربما تكون معطوبة ، إذ لم يظهر منها ما يدل على إصابتها وهى تتهاوى .
جرت أقدار الله تعالى قبل أيام من سقوط الطائرة أن ترتوي الأرض التي سقطت فيها المقاتلة بالماء الذي غار عميقا في جوفها لأعماق بعيدة جدا .
بمجرد سقوط الطائرة ، تناثرت قطع من الطين ، في لحظات صارت كل حيطان القرية ملطخة بنصيبها من الطين المتطاير الذي لم يستثني بيت ، حتى أن بعض الحيطان القريبة من موقع سقوط الطائرة انهارت ، فقد صرع الطين الجديد الطين القديم .
وحدث كسر لأحدهم بسبب ضربة الطين .
حينما تدافع الناس لموقع سقوط الطائرة ، لم يجدوا أثرا لها، فقد ابتلعتها الأرض اللينة كلها ، ولم تترك منها أي أثر كبيرا كان أم صغيرا .
جاء المتمردون مسرعين لعلهم يجدون صورة ينشرونها في الأسافير مقرونة بدعايتهم المعلومة ، ولكنهم عادوا خائبين .
وقد أجاد شاعرنا الفصيح الشيخ محمد العوض الكباشي فقال واصفا ظاهرة الأرض التي تبتلع طائرة بأكملها دون أن تترك أثرا !
تبلعي في الحديد
لا خنقتي لا عشرقلك .
بالأمس الأحد 27 يناير 2025 وبعد أن تحررت الكباشي وما جاورها ، سارع فريق من القوات المسلحة الى موقع الطائرة وبعد الحفريات تأكدوا من اسشهاد البطل مازن الحوري ، الذي عثروا على جثمانه الطاهر وسط حطام الطائرة المدفونة .
وتمت مواراته الثرى في قاعدة الشهيد مختار محمدين .
التقيت بعض زملاء الشهيد من الطيارين الذين شهدوا له بأنه كان أميزهم وأنبلهم وأشجعهم ، وإن كانوا جميعا فرسان ونبلاء .

سيظل دين الشهيد مازن علينا عظيما فقد نجانا الله ببسالته وشجاعته من كارثة محتملة.
سيظل اسم الشهيد مازن وحكايته محفورة في وجدان أهل الكباشي ، قصة خالدة يرويها السلف للخلف عنوانها ( لن ننساها لك يا مازن )
تعازي مولانا الخليفة عبد الوهاب الخليفة الحبر خليفة الشيخ ابراهيم الكباشي وعموم أسرة الكباشي لأسرة الشهيد التي ربت فأحسنت التربية ، أحسن الله عزاءكم وألزمكم الصبر الجميل.
وتعازينا لأسرته الأكبر نسور الجو قائدا وزملاء وجنود ، ولقادة الجيش السوداني وضباطه وأفراده .
والتعازي للشعب السوداني كله ، فالشهيد من كنوز البلاد الغالية التي ارتقت في مقامات الشهادة والإصطفاء .
و الله تعالى نسأل أن يتقبل شهادته ويرفع درجاته في الفردوس الأعلى من الجنة وأن يجزيه عنا وعن البطولة والرجولة والسودان خير الجزاء.