الطاهر التوم يكتب: احتفالات بورتسودان… لا تغادروا مواقعكم يرحمكم الله
وأنا أشاهد الجموع التي اجتمعت لاستقبال الفريق أول البرهان في بورتسودان، احتفالًا بانتصار مدني، تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم للرماة يوم غزوة أحد: “إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وانضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم.”
في الحقيقة، لست متحمسًا لهذا النوع من الاحتفالات في هذا التوقيت بالذات، وأرى فيها استعجالًا وحرصًا سياسيًا لتحصيل غنائم لم يحن وقتها بعد. وأخطر ما في هذه الاحتفالات أنها ترسل رسائل خاطئة إلى المجتمع، المتعجل بطبعه لنصر سريع، فتُوحي وكأن المعركة قد انتهت أو شارفت على ذلك، بينما العدو ما زال يعربد ويحيك المؤامرات. يرسل طائراته المسيّرة على مروي وعطبرة، ويحشد مرتزقته للهجوم على مدني نفسها، فيما لا تزال المعارك دائرة في الخرطوم والفاشر.
لقد خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وغادروا مواقعهم عندما لاح لهم النصر وداعب بريق الغنائم أعينهم، فكانت النتيجة التفاف جيش قريش على المسلمين، وتحول النصر إلى هزيمة.
ما يجب أن يُقال في هذا المقام هو أن وقت الاحتفالات لم يحن بعد، وأن المطلوب، قياسًا بما تم إنجازه، ما زال كبيرًا. وعلى القيادة أن تشد الجميع نحو الغاية النهائية دون تشاغل بتنافس أو محاولات للاستثمار السياسي.
كل ما هو دون النصر التام وكسر ظهر المؤامرة يمكن إدراكه في وقته وزمانه. فلماذا العجلة والتسرع؟ يجب ألا ننسى أن عدم التحسب الجيد والبطء والتردد هو ما أدخل بلادنا في هذا النفق المظلم. ونحمد الله أننا بتنا نشهد من جوف الظلمة أشعة الفجر، فلا تغادروا مواقعكم. يرحمنا ويرحمكم الله.
الطاهر التوم