🔴 حرب السودان والحروب في دول عربية أخرى.. ما الفرق؟
تعيش عدد من الدول العربية، منذ ما يزيد عن العقد من الزمان، حروباً داخلية، أدت إلى إضعاف بنية تلك الدول وإنهاكها، وعلى الرغم من اختلاف الظروف الداخلية بين دولة وأخرى، إلاّ أن الجهة المستفيدة من تلك الخروب، والضالعة في إيقاد نيرانها، والحريصة على استمرارها، جهة واحدة وأهدافها واحدة و وسائلها متشابهة و خطتها معلنة.
على أن الطريقة التي أدار بها السودانيون الحرب التي اندلعت في بلادهم، جعلت نتائج الحرب في السودان ومعالمها، تختلف عن باقي الدول العربية.
في هذا المقال نحاول إجراء مقارنات سريعة لتوضيح أهم خمسة اختلافات بين ما يجري في السودان وما جرى في دول أخرى مثل سوريا وليبيا واليمن.
الإختلاف الأول: في السودان، يقف الشعب و الجيش في خندق واحد، بينهما ثقة و رؤية واحدة. عكس البلاد العربية المشار إليها، حيث أن الجيش محل اتهام والشعب منقسم حوله ولا يبادله ثقة و يعتبره جيشاً حارس للأنظمة الحاكمة.
الإختلاف الثاني: في السودان الجبهة الداخلية الموحدة و الجيش هما مَن تعرض لمحاولة الغدر به، لكنهما تمكنا من امتصاص الضربات الأولى وتحولا لخانة المبادرة و السيطرة و الانتصارات، والصمود أمام الغزو الاجنبي و كسروا كل سهامه و أفشلوا مخططاته و كل أهدافه. بينما في الدول العربية الأخرى فإن القوى الدولية، هي القوى الرئيسية الفاعلة و المسيطرة و المتحكمة في مجريات الأمور و المهيمنة عليها.
الإختلاف الثالث: الانقسام في السودان بين فريقين رئيسيين، الأول هو فريق المشروع الوطني، المكون من مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش و من خلفه الشعب السوداني، بينما الفريق الثاني هو فريق المشروع الخارجي بقيادة دولة الأمارات وقد انضمت إليهم أقلية وطنية معزولة من العملاء الذين لا يستطيعون الآن إقامة أي منشط داخل البلاد و تطاردهم الجاليات السودانية في كل عواصم العالم. بينما في الدول العربية الأخرى نجد الانقسامات كبيرة و متعددة الأطراف و التدخلات الخارجية متناقضة المصالح.
الإختلاف الرابع: كسب السودان تأييد الرأي العام العالمي و تمثل ذلك في حملات الإدانة الواسعة ضد دولة الأمارات وضد المليشيا و اعتبارها تمارس الإبادة الجماعية و في طريقها لتصنف جماعة إرهابية. بينما في الدول العربية الأخرى ماتزال النظرة العالمية منقسمة حول مصالح متعددة و مختلفة.
الإختلاف الخامس: في السودان رؤية الحل واضحة و أنجزت القوات المسلحة والشعب، منها نسبة كبيرة. بينما في الدول العربية الأخرى ماتزال المواقف ضبابية و كل الاحتمالات مفتوحة و واردة.
ترتب على هذه الإختلافات والمقارنات عدة نتائج. إلا أن النتيجة الأساسية و الأهم هي أن السودانيين بنوا رؤيتهم لإدارة الحرب على ثلاثة ركائز أساسية. وهي:
الركيزة الأولى: احترام مؤسسات الدولة ومنحها الاعتراف والشرعية و الحق والعمل من خلالها و ترك جميع المسميات و العناوين الأخرى مهما كانت الروابط والوشائج معها، مثل الحزبية أو القبلية أو المناطقية أو الجهوية أو الفكرية أو الايدلوجية.
الركيزة الثانية: علو السيادة الوطنية والاتفاق حولها وصيانتها والدفاع عنها أمام أي مشروع خارجي مفروض مهما كانت تفاصيله أو امكاناته أو الجهات التي خلفه أو عملائه من الداخل.
الركيزة الثالثة: العمل بمهنية ومعالجة الاشكالات و مواجهة التحديات بمهنية عالية و التزام كل المعايير القانونية مهما كانت التكلفة المادية و الوقت المستغرق. تمثل ذلك في مهنية الجيش في التعامل مع بربرية و وحشية و جرائم المليشيا. كما تمثل في مدنية معالجة الغزو الأجنبي بقيادة الأمارات والمرتزقة من عدة دول. لم يستخدم الجيش القوة المميتة ولا المتفجرات ولم ينتقم و إنما التزم المعايير المهنية و القانونية والعلمية الحديثة.
كذلك في ملف العلاقات الخارجية و الدبلوماسية، كانت مذكرات السودان و شكواه وخطاباته إلى الأمم المتحدة والأدلة التي قدمها، تتميز بكل الرصانة و المهنية و المصداقية مما انعكس على قبولها وتبنيها والبناء عليها من قبل عدد من البرلمانات والمنظمات والصحف و القنوات العالمية في إدانة كلاُ من الأمارات والمليشيا.
كان هذا المنهج سببا في تفجير طاقات أبناء الوطن بصورة جماعية وتلقائية و ذاتية كل يقدم مجهوده في معركة الوطن بدوافع ذاتية و تعاون جماعي بالالتزام بالرؤية الموحدة و الراية الوطنية.
د. محمد عثمان عوض الله