تبقى سعيداً إذا ما كُنت منفرداً !
من المحاسن التي تمنح المرء أنساً وقوة باطنية تعينه على المسير في حياته، أن يستطيع أن يتلّذذ بالأنس بنفسه، فلا يُرعبه أن يقضي معها الوقت، أو يُمارس الأنشطة منفرداً.
وما خوف الأنام من الانفراد بالنفس إلا خوف من الوحدة، فمن يمتلك مهارات الألفة مع ذاته، يقضي وقتاً بهيجاً مؤنساً بصحبتها، يصطحبها في رحلةٍ بهيّة للطبيعة، أو مطالعة كتاب، أو السفر، أو الاستماع إليها وقت حزنها، وحين فرحها، أو تفحص ما قدمت يداه بين الفينة والفينة، يراجع النفس، ويقوّم الوجدان، ويظن أن ذلك فقط مُستملح مع الرفقة، ومُستنكرٌ في الخلوة، فقد فوّت على نفسه مُتعة من مُتع الدنيا.
وليس المعنى من ذلك أن يعتاد المرء على الوحدة، أو يستهجن الخُلطة، فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، كما جاء في الحديث.
ولكن المُراد أن لا يستنكف المرء صحبة نفسه، والأنس بها، والتمّتع بالخلوة لا الوحدة، والاستلطاف بالانفراد لا بالعزلة.
ففي الخلوات مُتع وتجارب خاصة للإنسان ذاته، لا تصحّ لغيره، فيها يستكشف ذاته، ويُعيد الاتصال بربه، ويُدرك أكثر فكره ووجدانه، ويتبيّن زلاته وعيوبه، ويتعرّف على ما يُحب ويكره، فلا أصفى من الخلوات لراحة البال والتلذذ بالسكون والاستكنان.
ومن محاسن الخلوات الانشغال بتهذيب النفس، والسمو بالفكر والشعور، والارتقاء في مراتب الإحسان، بدل الانشغال بالناس ما قالوا وما فعلوا، وذلك أدعى للتزكي والتطهّر، وحفظ اللسان، وقصر النظر عن المقارنات ومد العين للغير، مما قد يُورث الحسرات والبغضاء، ويصرف النظر عن النعم والآلاء، فكما قيل: غرس الخلوة، يُثمر الأُنس.
ولعل هذا ما يُرسي للمرء اتزانه، ويفيض عليه بحكمته، ويضبط الشعور ويستقيم به الفكر.
– لحظة إدراك:
الانفراد بالنفس جنّة العاقل، وجذوة الحاذق، وسعادة القلب، ورصانة الحكيم، وفرصة لإعادة النظر، وباب للتهذيب، واتزان محمود.
كما قيل:
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها
تبقى سعيداً إذا ما كُنت منفرداً
خولة البوعينين – الشرق القطرية