رأي ومقالات

أمدرماني بين الجزيراب

أمدرماني بين الجزيراب ..
حين ذهبت للدراسة بمنحة دراسية في السعودية 1976م وجدت نفسي وحيدا وسط ثلاثة من أولاد الجزيرة كنت رابعهم.

وخلال سنوات حياتي الوظيفية هناك مغتربا بعد التخرج وجدت نفسي لسنوات أم درمانيا وسط ثلاثة من أولاد الجزيرة كنت رابعهم.
ولمدة عشرة سنوات قبل عودتي النهائية للسودان في 99م كان جاري من أولاد الجزيرة.
هذه الزمالات ربطتني بمجتمعات الجزيراب (وهذه كلمة من إختراعي) في تلك البلاد ، فما هي طباع وطبائع الجزيراب التي خبرتها ؟

الجزيراب ودودين جدا ، وإجتماعيين جدا ، وهم في مجموعهم نموذج للتنازل عن التبعية للقبيلة لصالح الجغرافيا فإذا سألت أحدهم يقول لك : أنا من الجزيرة !

مع أن الجزيرة بحجم قطر من الأقطار ذات السيادة وأرجو أن تبرز فضائياتنا خارطة الجزيرة بين النهرين ليعلم الناس المساحة الشاسعة وكيف أنها أكبر عدة مرات من مساحات دول عربية وأفريقية.
وبعد عودتي سكنت في الجزيرة من 2001م حتى 2011م وكنت في كل مرة أعبر بسيارتي كبري الفتيحاب نحو أم درمان أتعمد المرور بالكبري الجانبي وأقول لأولادي حاولوا تستمتعوا بأجمل بقعة في أفريقيا وحين ترتج زوبا في فاصل وسط الكبري أقول ها قد عبرنا إلى الوطن.
ولكن في كل مرة أعود وعند عبور معبر سوبا أشعر فورا بالرطوبة والبرودة وتحسن الجو فيتحسن مزاجي وأقول ها قد عبرنا للجزيرة.

ولكن سنواتي في الغربة وزمالاتي من الجزيراب جعلتني أدرك مبكرا ثم اليوم سببا من أسباب مأساة الجزيرة وهي أن الإغتراب إستنزف الجزيرة في عنصرها الشبابي وأن إرتباط شباب الجزيرة بالأرض والزراعة قد ضعف وترك فراغا والفراغ لابد أن يملأ !

الجزيرة والجزيراب يواجهون اليوم إبتلاءا صعبا وهم لا يحتاجون نصيحة أم درماني مثل حالاتي فالجزيرة بلاد العلماء والمفكرين وعركي وود اللمين وبلد العوض الشخصية النمطية التي إرتبطت في الأذهان بالطيبة والعفوية وأرجو ألا يكون العوض وأهل العوض قد سددوا ثمنا فادحا للطيبة والعفوية وهي بلاد الموهوبين والمواهب لن يعجزها بعد طول صبر وأنتظار وتصديق للوعود تتلوها وعود أن تتحرك وتنتزع زمام المبادرة بإذن الله تعالى والله غالب.
#كمال_حامد 👓