السودان ومخاض التشكل
□ ربما يطرأ سؤال في اذهان المراقبين والمتابعين لما يجري ويحدث في المنطقة من تداعي وتسارع للأحداث فيها:
○ هل من رابط بين ما يحدث في السودان، والحرب الدائره في غزه ولبنان؟ ○ وهل للتوترات التي تكتنف منطقة القرن والساحل الإفريقي وعمليات التغيير الواسعة التي افضت لنقض عرو تحالفات وثيقة وعتيقة تم البناء على انقاضها بلاعبين وحلفاء جدد صلة بذلك ايضا؟
□ لنفهم مايحدث وننسج خيوط العلاقة بين هذا التناثر، لابد من معرفة العقل الذي يقف خلف كل هذه التفاعلات.
□ ثمة محاضرة ألقاها البروفيسور (ماكس مانوارينج) في الأول من ديسمبر من العام ٢٠١٨ في تل أبيب، بحضور كبار الضباط من جيش العدو برفقه قادة عسكريين من حلف الناتو وتكمن أهمية هذه المحاضرة من جهتين:
○ الأولى جهة المحاضر نفسه.
○ والثانية من العناوين والمواضيع التي تطرق اليها في محاضرته.
□ فالبروفيسور “ماكس مانوارينج” ضابط مخابرات سابق وخبير في الاستراتيجيات العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية، ويعتبر من أبرز خبراء الجيل الرابع للحرب.
□ أما من جهة أهمية الموضوعات التي تم تناولها في المحاضرة وخطورتها، فلك أن تعلم ان استهلاليته للمحاضرة، قد بدأت عن الاستراتيجيه الجديده التي تتبعها امريكا في التعامل مع أزمات وحروب منطقة الشرق الاوسط بدلاً من الإستراتيجية القديمة، وسمى هذه الاستراتيجية بحروب الجيل الرابع وحددها في نقاط أسهب وفصل فيها ولكن نوجزها في مايلي:
١. الانهاك الهادئ والتآكل البطئ بدلاً من الاسقاط السريع للدولة المستهدفة ويتمثل هذا الانهاك في تشتيت جهود جهاز الدولة وجعله يقاتل في عده جبهات وبأجندة مختلفة
٢. الهدف من هذا الانهاك زعزعة إستقرار الدولة بأيدِ مواطنين من ذات الدولة لخلق دولة فاشلة يسهل اختراقها
٣. التأكل البطئ يشل قدرات الدولة ويجعلها عاجزه عن تلبية الاحتياجات الاساسية ومتطلبات الحياة لمواطنيها.
٤. تحويل سكان تلك الدولة لقطعان هائمة تلهث خلف متطلبات حاجتها اليومية وجعله همها الاوحد
٥. في مثل هذه الحروب قد تشاهدون فظائع وموتى أطفالاً ونساءً وكباراً في السن لاتكترثوا ولاتنزعجوا كثيرا لهذا الأمر، علينا المضي مباشرة نحو تحقيق الهدف المنشود..
٦. نسعى لخلق أزمات داخل الدولة لتعقيد الأوضاع فيها، ثم نتدخل بحجة حل هذه الازمات، وفي حقيقه الامر نحن نسعي لإدارة هذه الازمات وفق مصالحنا ولا نجتهد في حلها..
٧. نجح أسلوب حرب الجيل الرابع في كثير من مناطق العالم ونسعى بشدة لإنجاحه في العراق واليمن وسوريا ولبنان وايران والسودان رغم العقبات والصعوبات التي تعترينا ولكننا مصممون على تحقيق الهدف المنشود .
□ هذا بأختصار ماورد في تلك المحاضرة التي وصفت بأنها اخطر محاضرة في التاريخ الحديث، حيث انها توضح كل أسباب الزعازع والنزاعات والصراعات الأهليةالتي تكتنف هذه المنطقة وخصوصا الدول المعنية التي أشار إليها المحاضر وربما يمكن أن نضيف لهذا المخطط والبلدان المستهدفة التي ذكرت وبهذه المعطيات البلدان الافريقيه ذات الموقع والاهمية الاستراتيجيه والموارد الطبيعية الهائله ويقوم بالدور الامريكي فيها حلفائها واصدقائها كفرنسا وبريطانيا.
□ اذن السودان في قلب هذا المخطط ومستهدف بصفة مباشرة في أرضه وشعبه وموارده بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الذي يحكمه.
□ وقد دلت تفاصيل هذه الحرب ويومياتها على الغرض من إشعالها والأدوات التي استعملت لتحقيق أهدافها ونربط كل ذلك بالتصريحات التي أطلقها نتنياهو ولا نجد سوى تفسيرا لنهجه وسلوكه العملي التدميري والتجريفي الذي استباح به كل شئ ولايراعي فيه لا قانونا ولا اتفاقيات ولامؤسسات دولية ولاقيماً انسانيةمضافاً اليه حديثه عن الهدف الذي يسعى اليه وهو اعادة تشكيل الشرق الأوسط، وكل الجغرافيه التي يراها مجاله الحيوي وتتداخل مع ما يراه مصالحه وامنه القومي، والخريطة التي عرضها في خطابه الاخير في الأمم المتحدة وزينها باللونين الأخضر والأسود لاتخرج عن هذا السياق والترتيب الذي يريد به ضمان التفوق الاسرائيلي والعلو والسيطرة على كافة هذه الجغرافية.
□ لكن سير الأحداث وتطوراتها اثبت ان مايتمناه ويقصده ليس طريقا سهلا سالكا ممهدا فها هو يتلقى الصفعات من محور المقاومة في كل الجبهات فها هو يعاني الامرين في الداخل الفلسطيني المحتل في غزه منذ انطلاقة عمليات طوفان الاقصي خصوصا عند القتال والالتحام المباشر، حيث يتلقى الخسائر الفادح في العنصر البشري والمعدات والاليات العسكرية، ونتيجه لذلك يسعى بالتعويض بالانتصار المتوهم لرفع المعنويات لشعبه وجنوده بقصف المدنيين العزل في المؤسسات المدنيه ومراكز الإيواء ومخيمات اللاجئين..دون تحقيق اي هدف من أهداف حربه التي شنها( تحرير الرهائن والقضاء على حركه حماس).. نفس السلوك الذي تفعله مليشيا الدعم السريع في السودان بإستهدافها للمدنيبن العزل (سلوك ينبع من مشكاة واحدة) وفي الجنوب اللبناني كذلك يعاني ويقتل جنوده الاسرائيليين بإعداد كبيرة مقدرة في اي اشتباك مباشر مما اثار الهلع والفزع في اوساطهم
.. فلجأ لنفس الفعل الجبان بأستهداف المدنيين الابرياء بتدميره للبنى التحتيةو المنشآت المدنية ليكثر القتل والنزوح والتشريد، وهم يظنون انهم بهذا الفعل يضغطون حتى تتعقد وتستحيل الحياة في حواضن المقاومة. فيصبح اهل هذه المناطق أداة ضغط تجاه مقاتلي المقاومه حتى تستسلم وتضع سلاحها او تسلمه كما ظلوا يرددون، ولقد ظن الكيان الغاصب كذلك ان عمليه البيجر والووكي تووكي واغتيال مجموعه مقدره من قيادات الصف الأول لحزب الله وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومه السيد حسن نصرالله، يمكن أن يوهن العزيمة وينخر في اللُحمة الداخلية للحزب لكن الواقع العملي للعمليات التي جرت مؤخرا أثبتت خطل هذه النظرة وعدم واقعيتها وعدم معرفة الكيان الصهيوني ضد من يحارب ولأي عقيدة ينتسبون، ثم جاءت الضربة الايرانية، التي ايقظت أصحاب مشروع الهيمنه من أحلامهم المتغطرسه.. واوضحت لهم ان خططهم وتآمرهم على المنطقه ومحاولات رسمها وفق هندسه يرجونها لتحقيق مصالحهم وبسط نفوذهم.. هذا الأمر ليس بالسهوله التي يتصورونها .. رغماً عن تماهي عدد مقدر من قادة بعض دول المنطقة مع مشروع الهيمنة.. والذين تم تدجينهم رغبة ورهبة
وعندما نعود إلى هنا في السودان. َوما ادراك ماهنا..فإن مشروعهم الذي خططوا له منذ فترة.ماقبل سقوط نظام الانقاذ، والذي بدأ بمحاولتهم تبني شعارات الشباب ودغدغة مشاعرهم بأن المن والسلوى سوف يأتي محمولاََ على سرايا نهج التماهي مع مشروع اعادة ترتيب المنطقة برمتها.. وان لقى هذا الخطاب آذاناََ صاغية حينا من الدهر واستجاب له ثلة من الناشطين وأصحاب الاجندة ومن هم ادوات لمشروع الجيل الرابع.. الا ان غالب الكتلة الحية في الشعب السوداني بوعيها وادراكها للمخطط واهدافه مرامية،رفضت هذا النهج والخطط التي يراد لها ان تنحرف بشعارات الثورة عن مسارها،وتريد ان تختطف الدولة والمجتمع لاجندة لم تكن من أهداف التغيير ولا من مطلوباته،فلما وجد أرباب المشروع وأذنابهم في الداخل صعوبةََ فيما يسعون لتحقيقه وبالادوات المدنية الناعمة، سارعوا لتحقيقه بالآليات الخشنة، فأستطاعوا جذب مليشيا الدعم السريع لمشروعهم بالنذر والحوافز.. فأشعلوا الحريق الغير مسبوق والغير مألوف في قلب البلاد..وعندها اتضح لهم من الساعات الأولى لاشتعالها..ان الامر ليس بالسهوله التي كانو يظنونها،كانت الخطه (ب) جاهزه للتنفيذ.. فأطلقوا يد قوات المليشيا.. لتتحول الأهداف من الاستيلاء على السلطه..لتدمير البلاد واهلها.. فتوجهت البنادق لصدور الأبرياء والمدنيين الضعفاء ومنشآتهم وممتلكاتهم كما تفعل اسرائيل الان.. بل تجاوزت المليشيا أكثر من ذلك بأنتهاك الأعراض والسرقه والنهب.. ..وعليه كان لابد من وقفة امام هذا السعار المتوحش.. فهبت كافة قطاعات الشعب.. ووقفت خلف ظهر القوات المسلحه نصرة ومؤازره وتأييدا..ولولا هذه الهبه والوقفه القويه الصلبه كاد المخطط أن يحقق أهدافه مراميه .. وكذلك لولا أن تداركتنا يد العون من بعض الاصدقاء والحلفاء الذين مدوا الينا يد العون والمساعده لوقعنا في فخ مشروع الهيمنه وأعاده تفكيك وتركيب الدوله والمجتمع .. هذا العون سند ظهرناوعضد من قوة تحملنا وصبرنا وقدرتنا على المواجهه ..سوي كان ذلك عونا ماديا او موقفا سياسيا في المحافل الإقليميه والدوليه
..ومع مرور الايام وظهور الحقائق وأهداف الحرب رويدا رويدا.. واتضاح مخالب الاطماع الإقليميه والدوليه التي تريد أن تنهش في جسد الوطن.. تكشف عندها المخطط الخطير لبعض الاغرار السذج من بني جلدتنا..وان حقوقهم المشروعه التي كانوا يطالبون بها عند قيام الثوره والتي خرجوا من أجلها..قد اتخذت مطيه. وحصان طراوده لتنفيذ اجنده بعيده من مطالبهم وعن اهداف خروجهم..فأختطف الحراك وتم تجييره من أجل مشاريع أظهرت سماتها العامة هذه المحاضره التي كشفت بوضوح ووقاحه مايدبر ويخطط لهذه المنطقه، وكما فشل مشروع التدجين في كل المناطق التي ذكرت آنفا.. فشل كذلك في الساحل الافريقي فهذه الدول التي عانت من الاستغلال الفرنسي البشع والتبعية العمياء لها التي ما اورثت شعوبها الا الفقر والمسغبة،انتفضت كذلك مؤخرا وتمردت على هذه الهيمنة والنهب الخفي والمعلن لمورادها.. فاستردت كرامتها واستقلالها وقرارها الوطني..
وهنا لابد من كلمه لبعض قطيع الجغرافيا العربية الذي سار مع اجنده وأهداف المشروع الذي بسببه يحدث مايحدث الان في المنطقه و يتماهى معه، نأمل ان تأتيه لحظه وعي ليتضح له عبرها خطل تصرفه وحماقة موقفه، واخيراََ اننا ندرك أن ثمن الصمود والتصدي لمشاريع الهيمنة دون شك باهظاََ ومكلفاََ..ولكن في النهايه سينتصر اصحابه ويسجلون أسمائهم ومواقفهم في صفحات التاريخ المشرقة
أ. أحمد مجذوب البشير