تحقيقات وتقارير

قطاع الاستثمار بعد الحرب في السودان… الفرص الضائعة

فقد السودان كثيراً من الموارد المالية التي كانت تغذي خزينته العامة بالإيرادات بسبب الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع منذ ما يناهز السبعة عشر شهراً، ومع اقتراب إكمال الحرب لعام ونصف العام يجد قطاع الاستثمار بالبلاد نفسه محاطاً بالصعوبات والعقبات التي تحول دون أن يحقق مبتغاه في رفد الخزينة العامة بما يحقق الاستقرار الاقتصادي خلافاً لما تفقده الأيادي العاملة من سوق عمل كان سيخفف من وطأة البطالة.

ومنذ الشهور الأولى بعد الحرب أعلنت مؤسسات استثمارية تعليق مشاريعها وتسريح موظفيها إلى حين إشعار آخر بعد أن دمرت الحرب البنى التحتية للمصانع والمنشات في الولايات المتأثرة بها، ومن هنا بدأت المعوقات الاستثمارية في الظهور على الرغم من أن الحكومة السودانية لا تزال تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية للعمل في الولايات الآمنة.

وتقدر بعض المصادر خسائر الحرب فى الاقتصاد السودانى بأكثر من 100 مليار دولار، بعد توقف 70% من النشاط الاقتصادى فى السودان. فيما تُقدر تكلفة المعارك في السودان بنحو نصف مليار دولار يومياً وفقاً لتقديرات غير رسمية.

وكشفت تقارير البنك الدولي عن انخفاض معدل النمو الاقتصادى إلى -18.3% لعام 2023. كما بلغت خسارة الناتج المحلى الإجمالى السودانى بنسبة 151.1٪، والذي من المتوقع أن ينخفض إلى 43.91 مليار دولار فى عام 2023.

وأفقدت الحرب العملة السودانية أمام الدولار وخسر الجنيه السودانى أكثر من 70% من قيمته حيث يتم تداول الدولار بأكثر من 2600 جنيه سودانى بعد الحرب، بالمُقارنة بـ 600 جنيه قبل الحرب.

و رفعت الحرب معدل البطالة فى السودان من 32.14% فى عام 2022 إلى 47.2% عام 2024، وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولى.

وارتفعت معدلات التضخم أيضاً بحسب بيانات صندوق النقد الدولى ارتفع التضخم فى السودان إلى 256.17%، وهو ما يعنى ارتفاعها بنسبة 117.4%، بالإضافة إلى تراجع حركة الصادرات بنسبة تتجاوز ال 60 %.

وأقرت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المكلفة، أحلام مهدي سبيل بالظلال السالبة التي ألقتها الحرب التي تمر بها البلاد منذ تمرد مليشيا الدعم السريع على قيادة الدولة، وتشابك مصلحة الوطن مع المصالح الاقليمية للقوة الخارجية.

وأكدت على الدمار الهائل الذي أصاب البنية التحتية والمصانع والمؤسسات لاسيما في العاصمة وبعض الولايات

وأشارت الوزيرة في حديثها مع موقع “المحقق” الإخباري إن الاستثمار كغيره من القطاعات الاقتصادية المهمة تأثر بتداعيات الحرب في قطاعاته الثلاثة الزراعي والصناعي والخدمي، خاصة المشروعات المتواجدة في ولاية الخرطوم من خلال التدمير أو نقص التمويل أو انعدام مدخلات الإنتاج ووسائل الحركة.

وكشفت الوزيرة عن وضع وزارة الاستثمار والتعاون الدولي الخطط التي تواكب مرحلة مابعد الحرب، فقطاع الاستثمار مازال واعداً، لافتة إلى قيام وزاره الاستثمار بالمشاركة في العديد من الملتقيات لتوقيع الاتفاقيات الاستثمارية الجديدة وكذلك تفعيل الاتفاقيات السابقة وتنشيطها.

وقالت “نحن ماضون في جذب المزيد من الشراكات الاستثمارية النوعية التي من شأنها الدفع بعجلة الاقتصاد وتعمير مادمرته الحرب وقد ركزنا في العملية الترويجية على مشاريع البنى التحتية في كافة المجالات كذلك الطاقات المتجددة والكهرباء والطرق والجسور والسكك الحديدية وغيرها من المشروعات “.

وأكدت الوزيرة على أنه وبالرغم الحرب ظلت وزارتها تتلقى طلبات للاستثمار ولا توجد أي استثمارات ألغيت حتى الآن فالاستثمار يمضي على قدم وساق. وأشارت إلى سعي الحكومة السودانية لجذب العديد من الاستثمارات للبلاد خاصة بعد تقديم العديد من الحوافز والضمانات والامتيازات التي حتما ستجذب العديد من المستثمرين.

و أوضحت ان الحرب كانت دافعاً أكبر ولم تكن خصماً علينا لجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية.

بدوره يرى الخبير الاقتصادي، د. وليد دليل أن تجربة إعادة الإعمار الاقتصادي بعد الحرب تعتمد على الظروف الفريدة لكل بلد ونطاق التدمير الذي لحق بالاقتصاد الذي نحسبه كبيراً في الوضع السوداني تحديداً لنظراً لهشاشة الوضع الاقتصادي بالسودان قبل لحرب ووجود العديد من المشكلات الاجتماعية والسياسية التي كانت تحيط بالمشهد قبل اندلاع الحرب.

وأوضح وجود بعض النقاط العامة التي يمكن أن تشمل تلك التجربة ومنها وجود خطة واقعية لإعادة الإعمار تراعي الظروف الاقتصادية للسودان والظروف الإقليمية والدولية التي تحيط به والاستفادة من الموارد المتوفرة لإنجاح خطة الاعمار.

وقال دليل في حديثه مع موقع “المحقق” الإخباري أنه “ولضمان أن تكون الخطة فعالة لابد من التركيز على القطاعات الاقتصادية المفتاحية التي يمكن أن تسهم بشكل مباشر في عملية إعادة التنمية ويجب التركيز وبشكل أساسي على إعادة إعمار البنى التحتية من خلال التعاقد مع شركات عالمية لإنشاء وإعادة إعمار الطرق والجسور والمطارات والموانئ التي دمرتها الحرب من خلال تعاقدات تراعي الظروف المالية لبلد خارج من الحرب من خلال الاتفاق على عقود البناء والتشغيل والتحويل المشهورة باسم (BOT) “.

وأضاف “يجب ولضمان موافقة الشركات العالمية على مثل هذه العقود أن تتوفر عوامل الثقة بينها وبين القيادة الحكيمة من خلال استقطاب الكوادر المهنية لتشكيل حكومة مستقبلية ذات تكوين خاص يراعى أن تكون حكومة انتقالية تسهم في أن تتطور الأمور في عدة نواحي اقتصادية واجتماعية وسياسية وان تحظى تلك الحكومة بإجماع وتوافق وطني مجتمعي واسع”.

وأشارت إلى ضرورة أن تعمل خطة الإعمار على تعزيز فرص العمل والاستقرار السياسي وأن تعمل على تقديم الدعم اللازم للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر المحرك الرئيسي لاقتصاد دولة كالسودان، مشيراً إلى أن تجربة إعادة الإعمار تحتاج إلى إرادة قوية من القيادة المحلية، وجهود مشتركة من جميع الجهات المعنية، وشدد دليل على أهمية ترتيب الأوضاع من خلال إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وإعادة هيكلة الديون المحلية والخارجية وفق شروط ميسرة غير مرهقة والقيام بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وتعزيز التعاون الدولي والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية والتركيز على عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمل على استقلال القرار السياسي السوداني بعيداً عن سياسة التجاذبات والعمل على تشجيع الاستثمار فالسودان لديه المقومات ليكون قطباً اقتصادياً كبيراً لما يملكه من قطاعات اقتصادية واعدة في السودان.

وأوضح أن السودان يتميز بوجود عدة قطاعات اقتصادية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في النمو والتنمية فالزراعة هي قطاع رئيسي لأنها تسهم في توفير فرص عمل كبيرة وتوفير الغذاء والسلع الأساسية التي تعد بمثابة العامل الأساسي للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كما يلعب قطاع التعدين دوراً ملموساً السودان في فرص الاستثمار ويسهم في تنويع مصادر الإيرادات حيث يحتضن السودان موارد معدنية كبيرة مثل الذهب والكروم والحديد بالإضافة لقطاعات أخري كقطاع التجارة الذي يمكن أن يؤدي دوراً محورياً في عملية إعادة الاعمار لما لموقع السوداني الجغرافي من أهمية استراتيجية كنقطة التقاء بين جنوب القارة وشمالها وباعتباره معبراً مائياً هاماً للقارة الآسيوية.

وأشار دليل إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه قطاع النقل البري والبحري والجوي في عملية التنمية إذا ما أحسن استثماره وتوجيه الفرص الاستثمارية الواعدة فيه، فضلاً عن أن السودان يمكن أن يكون مزاراً سياحياً لما يتميز به من طقس معتدل ووجود العديد من الآثار والمواقع الأثرية المهملة على مدي العصور بالإضافة إلى قطاعات أخرى كالخدمات المالية والتكنولوجيا والصناعات العسكرية، كل ذلك إذا تم تعزيز وتطوير هذه القطاعات بشكل فعال، فيمكن للسودان ان يحقق نموًا اقتصاديًا أكبر وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.

المحقق – نازك شمام