تحقيقات وتقارير

هل ستحدث مشاركة البرهان في الجمعية العامة اختراقاً للأزمة السودانية؟

تبدأ هذا الأسبوع اجتماعات الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بمشاركة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي من المتوقع أن يحوي خطابه أمام الجمعية عرضاً لقضايا وهموم الشعب السوداني من جراء الحرب، إضافة إلى كشف المزيد من الانتهاكات اليومية والجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع تحت مرأى ومسمع العالم كله، علاوة على الأجندات الخفية لبعض الدول الاقليمية التي تزيد من نيران الحرب في البلاد.

اختراق الأزمة
وتعد هذه الاجتماعات سانحة مهمة للسودان، لعرض قضاياه والنقاش حولها في الأمم المتحدة ومع قادة العالم، وقد تكون فرصة مناسبة لاتخاذ خطوات جديدة نحو أمن واستقرار السودان وسلامة أراضيها، وربما تكون فرصة ضائعة تتلاطمها الأمواج العالية والأجندات الاقليمية والدولية التي لها مآرب أخرى في البلاد… فالى أي مدى يمكن أن تحقق المشاركة في هذه الاجتماعات اختراقا في جدار الأزمة السودانية؟

نيويورك تايمز
بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، معلومات جديدة عن الدور الذي تلعبه الإمارات في الصراع الدائر بالسودان، وتوسيع حملة سرية لدعم مليشيا الدعم السريع، كما اتهمتها بالتخفي تحت راية الهلال الأحمر، لتهريب الأسلحة ونشر الطائرات بدون طيار، وقالت الصحيفة في تحقيق لها نشر أمس السبت، إن الإمارات تلعب لعبة مزدوجة مميتة في السودان، في محاولة لتعزيز دورها كقوة إقليمية، وأنها تعمل على توسيع حملتها السرية لدعم الدعم السريع، وذلك وفقاً لمسؤولين ومذكرات دبلوماسية داخلية وصور الأقمار الصناعية التي حللتها الصحيفة، مضيفة أن الإمارات تقدم نفسها كبطل للسلام والدبلوماسية والمساعدات الدولية، وتستخدم أحد أشهر رموز الاغاثة في العالم كغطاء لعملياتها السرية.

خطاب البرهان
من جانبه أوضح وزير الخارجية السوداني حسين عوض أن البرهان يشارك في هذه الدورة ببرنامج وموضوعات تخاطب الشعب السوداني، وتكشف حقيقة التآمر من بعض الدول الاقليمية على السودان. وقال عوض لـ ” المحقق” إن السودان في نفس الوقت مهموم بقضايا ايصال المعونات الإنسانية، ولكن التمرد يعترض هذه المساعدات رغم استجابة السودان للنداءات الدولية، وفتح كافة الممرات لبلوغ الإغاثة، مضيفاً أن البرهان في خطابه أمام الجمعية العامة سيخاطب الضمير العالمي وكافة الدول، ويعكس موقف الحكومة الداعم للسلام والحريص على ايصال المساعدات لشعبه الذي نزح إلى أنحاء البلاد المختلفة ودول الجوار، لافتاً إلى أن مناشدة الرئيس تجئ في إطار همومه الوطنية بقضايا الشعب السوداني، وتهدف إلى إيصال الصوت عاليا، وقال إن هنالك لقاءات مع عدد من الرؤساء ومع بعض الفعاليات الأمريكية لمناقشة هذه الموضوعات، وترتيب الأولويات خلال المرحلة المقبلة.

محاور ولقاءات
كما أوضح وزير الخارجية أن البرهان سيشارك في قمتين، قمة المستقبل وعلى أروقة الأمم المتحدة من خلال كلمته التي تعكس الهم الوطني في مجالاته المختلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وقال إن خطاب السودان سيشمل هذه المحاور بالإضافة إلى لقاءاته مع عدد من رؤساء الدول والأمين العام للأمم المتحدة ومساعديه، لمناقشة هذه الموضوعات بموضوعية ومرونة كاملة، مضيفاً أن هذا اللقاء سيضع النقاط على الحروف في مايلي دور الأمم المتحدة وحثها على الإسراع في إيصال المعونات للمحتاجين ورفع صوتها أمام أي عرقلة لهذه الإعانات من قبل المتمردين، وتابع أن للمتمردين سوابق واضحة ومرصودة وسوف يطالب الرئيس الأمم المتحدة بالتحلي بالشجاعة لانتقاد الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية للمليشيا ومهاجمتها لمقر بعثة الأمم المتحدة ومخازن الأغذية الخاصة ببرنامج الغذاء العالمي، مؤكداً أن السودان سيعكس هذه المواقف بصورة واضحة وقوية حتى يشعر ضمير المجتمع الدولي الذي يغلب السياسة على الجوانب القانونية الدولية، وإلى الممارسات التي ترقى إلى المذابح الجماعية والتطهير العرقي أمام أعين العالم ومناشط الأمم المتحدة ومناديبها الذين يتجولون في بقاع السودان.

دور الإمارات
وتوقع الوزير حدوث اختراق كبير في جدار الأزمة السودانية على ضوء هذه الإجتماعات، وقال إن هناك لقاءات هامة سوف يعقدها البرهان مع المسؤولين الأمريكيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة، مضيفاً أنه سوف يتم فيها تداول الأزمة وعكسها بالصورة المطلوبة والحقيقية لكشف مدى التآمر الذي تقوده بعض الدول الاقليمية التي تدعي زوراً حيادها واقتصار دورها على الجانب الإنساني فقط، وتابع إن كل التقارير الدولية كشفت هذا التآمر لهذه الدويلة وسمتها بالاسم، مستشهداً بتقرير صحيفة نيويورك تايمز، والذي أشارت فيه لقيامها بتحقيق كامل ومفصل لما تقوم به الإمارات تحت غطاء مستشفى في تشاد بغرض مداواة الجرحى وتقديم الخدمة الطبية، وقال إن كافة الدلائل التي لدينا والتي بدأت تظهر للمنظمات الدولية أن الإمارات تمارس دوراً خفياً وسرياً، باستغلالها لشعارات منظمة الصليب الأحمر الدولي، والتي من خلالها أنشئت المنظمات القطرية للهلال الأحمر للدول حيث تحمل شعار الصليب والهلال الأحمر وفق اتفاقيات فينا، مضيفاً أن ماتقوم به الإمارات خارق لهذه الاتفاقيات لتنظيم العمل الإنساني، وأن هذا قليل من كثير تقوم به لجهة استغلالها للمنظمات التي تقوم بتوزيع الإغاثة وإعانة الملهوفين، لتمرير أجندتها السرية التي من خلالها يُحرق السودان وتمارس ذات الأفعال حتى اليوم، لافتاً إلى أن مثل هذه الأصوات القوية التي نشرت على هذه الصحيفة الدولية الهامة من شأنها أن تنعكس سلباً على تحرك الإمارات والتي تسعى لمحاصرة الدبلوماسية السودانية وما تقوم به من فضح لها، وإلى أن مابني على باطل فهو باطل، مؤكداً أن السودان ورئيسه في هذه الدورة للأمم المتحدة يتكامل دورهم ويقود الأدوار الأخرى لكشف ماتقوم به الإمارات ضد السودان وحرقه واستباحة أراضيه.

تغيير حقيقي
من جهته رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد محمد خير أن هنالك تغييراُ حقيقياً في مسار الأزمة السودانية بعد أن ظلت حبيسة لمدة عام ونصف في إطار خارجي. وقال خير لـ ” المحقق” يبدو أن الخارج الآن اقتنع أن أهدافه المركزية لن تتحقق، ولجأ إلى أسلوب جديد في التعاطي مع الأزمة، مضيفاً أنه من المؤكد أن الأيام القادمة ستكشف ملامح هذا الأسلوب، ولا نستطيع التنبؤ بأن ذلك فيه خير أم لا، لكن هناك كثير من مؤشرات التغيير استناداُ إلى فشل مؤتمر جنيف، موضحاً أن المقصود من جنيف كان أن تنقل الإمارات من خانة المتهم إلى خانة الوسيط، وإدخالها من باب العمل الإنساني ضمن التحالف الذي كونته أمريكا والذي أصيب بتصدع بيّن بعد تقرير النيويورك تايمز، وقال إن هذا التقرير أعاد الإمارات إلى خانة المتهم الرئيس، وهذا تناقض واضح، فكيف لمتهم أن يكون عضواً في تحالف لإنقاذ الشعب السوادني، معتبراً أن التغيير الأول في وضع الإمارات في إطارها الطبيعي بعد تقرير الصحيفة ومذكرة أعضاء الكونجرس.

التغيير الأهم
وتساءل خير لكن هل هذا سيكون في صالح السودان وحسب أم سيكون فيه ابتزاز الإمارات ابتزازاً أبدياً، وقال إن ذلك يعتمد على نظرة أمريكا للإمارات ودورها في الحرب، مضيفاً أن التغيير الأهم والذي لم يلتفت له الناس كثيراً، هو أن تقرير نيويورك تايمز لم يكن خطيراً على الإمارات فقط، بل على الإتحاد الأوروبي أيضا، مشيرا إلى أن التقرير ذكر أن هناك 5 أعضاء من الإتحاد الأوروبي أكدوا أن الدعم السريع جند 200 ألف مرتزق، وقال إن خطورة ذلك تأتي من أنه يضع حداً نهائياً للتعاون بين الإتحاد والدعم السريع في مكافحة الهجرة غير الشرعية، لاقتاً إلى أن هذا الاعتراف يعكس ملامح تعاون أوروبي أمريكي والذي أدخل الدعم السريع في السودان ليس لأنه قوة عسكرية تحظى بالتأييد الأمريكي، مشيراً إلى تصريح المبعوث الأمريكي الخاص توم بيريللو بأن الدعم السريع لا مستقبل سياسي له، وقال إن هذا يفتح أفق التخيل، لأن أمريكا ربما تعمل على مساعدة القوات المشتركة باعتبارها حليف لها، من خلال اهتمامها بموضوع الفاشر، مضيفا أن صمود القوات المشتركة في الفاشر أدى إلى أن أصبحت هذه القوات أسطورية في الإعلام الدولي، مرجحاً أن تكون خطوة تتبعها خطوة داعمة ومؤسسة لخيار جديد، متوقعا أن يؤدي لقاء بايدن وبن زايد المرتقب إلى تنازل سيفرض على الإمارات، مبرراً ذلك بنشر كل هذه المعلومات في النيويورك تايمز في هذا التوقيت، وقال أتصور أن أمريكا ستجبر الإمارات على الحد الأدنى من إتفاق توريد السلاح.

المسمار الأخير
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي مكي المغربي أن هنالك حلاً يمضي ببطء، وأن هذا ما يقلق. وقال المغربي لـ ” المحقق” إن الإبطاء في الحلول على حساب تضحيات الشعب السوداني ومآسيه، لكن الضوء الذي يلوح في الأفق أن محاولة إصباغ الشرعية على المليشيا أو أي حكومة تنشأ تحت رعايتها في أي مكان، وبالرغم من المحاولات العديدة فشل، مضيفاً أن مشاركة البرهان في نيويورك هي المسمار الأخير في نعش هذه الفكرة الشريرة، متوقعاً أن تكون الأطراف الأخرى أكثر واقعية في التعامل مع الحكومة الشرعية الموجودة في السودان، مبررا ذلك بأن المجتمع الدولي قد أغلق صفحة المليشيا بالكامل بما فيه الدول التي كانت تطمع في مثل هذه الحلول الهشة، وقال إن حضور البرهان في نيويورك وربما حضور بعض الأطراف الأخرى قد يقود إلى لقاءات جانبية على مستوى عال وربما تضع هذه اللقاءات الأمور في سياق التفاوض وليس الاستمرار في دعم الحرب.

القاهرة – المحقق – صباح موسى