تحقيقات وتقارير

مناورة “خطرة” وقاعدة عسكرية “مجمدة”.. ما سر التقارب السوداني الروسي؟

عادت عجلة التقارب بين الجيش السوداني وبين روسيا إلى الدوران بوتيرة أسرع، إذ يجري وفد من البنك المركزي الروسي مباحثات مع مسؤولين في بورتسودان، بينما ذكرت وسائل إعلام محلية أن وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم، أنهى الجمعة، زيارة إلى موسكو.

وتزامنت التحركات السودانية الروسية، مع مباحثات تقودها الولايات المتحدة في جنيف، بمشاركة السعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي، لإنهاء الحرب في السودان، رغم عدم حضور الجيش السوداني.

ويرى الخبير الاستراتيجي، عمر أرباب، أن الجيش السوداني يعاني من مشكلات في التسليح، ولذلك سعى للتقارب مع روسيا، مشيرا إلى أن تمدد رقعة القتال جعل الجيش أمام تحديات جديدة متعلقة بالعتاد الحربي.

وقال أرباب، وهو ضابط سابق في القوات البحرية السودانية، لموقع الحرة، إن روسيا تسعى لاستغلال حالة الهشاشة والضعف التي يمر بها السودان لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في بناء قاعدة عسكرية بالساحل السوداني في البحر الأحمر.

وأضاف أن “روسيا تعتقد أن هذا التوقيت المناسب لتحقيق حلمها، لأن السودان يمر بحالة ضعف، ويمكن ابتزازه والحصول على أكبر المكاسب بأقلّ الخسائر والتكاليف”.

وكان الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقع عام 2017، اتفاقا مع روسيا لإنشاء قاعدة على البحر الأحمر، لتستضيف سفنا روسية، بما في ذلك سفن تعمل بالوقود النووي، على أن يتمركز فيها 300 جندي.

وذكر الموقع الإلكتروني للحكومة الروسية، أن “موسكو وقعت اتفاقا مع السودان لإنشاء “مركز للدعم اللوجيستي” في بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، حيث يمكن إجراء “عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد”.

وبحسب الموقع، فإن “الاتفاق نافذ لمدة 25 عاما، مع تجديد تلقائي بعد مرور 10 سنوات، إذا لم يطلب أي من الطرفين إنهاءه مسبقا”.

لكن الاتفاق لم ير النور، وتم تجميده خلال فترة رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عثمان المرضي، أن تصاعد خطوات التقارب بين الحكومة السودانية وبين روسيا، يعود إلى إحساس الحكومة بأن واشنطن تبدو الآن أقرب إلى قوات الدعم السريع.

وقال المرضي لموقع الحرة، إن وزير المعادن، محمد بشير أبو نمو، رئيس وفد الحكومة الذي التقى المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو، في السعودية الأسبوع الماضي، أكد رفضهم قيام منبر جديد بخلاف منبر جدة المخصص للتفاوض مع الدعم السريع.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن رئيس الوفد السوداني أعلن رسميا أن مباحثات جنيف التي ترعاها الولايات المتحدة تهدف إلى إيجاد مستقبل سياسي لقوات الدعم السريع، “وهو ما ترفضه الحكومة، لذلك قررت الاتجاه ناحية روسيا”.

وأضاف المرضي أن “السودان اختار تحالفاته بعيدا عن واشنطن والغرب، إذ أعاد علاقاته مع إيران، والآن يتجه إلى تقارب أكبر مع روسيا، مما يعني أنه لا يعوّل كثيرا على المسار التفاوضي، وأنه يراهن على الحسم العسكري”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن المراقب للتطورات في السودان لا يحتاج إلى تمحيص كثير ليصل إلى أن الحكومة السودانية تسعى إلى حلفاء عسكريين، وليس اقتصاديين أو دبلوماسيين، وهو ما وجدته في روسيا وإيران.

وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، قال في مايو الماضي، إن “روسيا طلبت من الحكومة السودانية إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة”.

وأضاف العطا، وهو عضو مجلس السيادة الانتقالي، وفق تصريحات نقلتها رويترز، أن “روسيا طلبت نقطة تزود على البحر الأحمر، مقابل إمدادنا بالأسلحة والذخائر”.

ولفت إلى أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان “سيوقع على اتفاقيات مع روسيا قريبا”.

لكن بالنسبة لأرباب فإن هذا التقارب في هذا التوقيت بالذات، مناورة وكرت للضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، منوها إلى أن البرهان أكد مرارا أنهم يسعون إلى القضاء على قوات الدعم السريع، حربا أو سلما.

وأضاف “كأنما يريد البرهان أن يقول للمجتمع الدولي، إما أن تساعدنا في التخلص من قوات الدعم السريع بالتفاوض، وإلا سنتجه لروسيا لمساندتنا في التخلص منها بالسلاح”.

لكن هذه المناورة ليست مأمونة العواقب، إذ يمكن أن تترتب عليها عواقب قاسية على الحكومة السودانية، وفق المتحدث ذاته، مضيفا أن “تلك المناورة أشبه باللعب بالنار، فربما يقرر المجتمع الدولي أن الجيش ليس جادا في التفاوض، وبالتالي يغض الطرف عن أي امداد خارجي يصل إلى الدعم السريع”.

وأشار أرباب إلى أن واشنطن لن تسمح بإقامة أي قاعدة عسكرية روسية على الساحل السوداني، لأن منطقة البحر الأحمر أصلا تعاني من مشكلات بسبب هجمات الحوثيين على السفن.

وبدوره يشير المرضي إلى أن روسيا تحاول اللعب على كل الحبال، إذ أنها تملك علاقة راسخة مع قوات الدعم السريع، من خلال التعامل المباشر، أو من خلال مجموعة فاغنر.

وأضاف “روسيا تعلم أن موقف الجيش ميدانيا ليس جيدا، وأن قوات الدعم السريع تتقدم عليه في أغلب المحاور القتالية، ولذلك لن تبني معه علاقة اصطفاف كامل، على نحو ما فعلته مع النظام السوري.

وتابع قائلا “ستحافظ روسيا على علاقتها مع قوات الدعم السريع، وربما تمدها بالسلاح، ما لم تتأكد من أن موازين القوة مائلة كليا لصالح الجيش، وهو ما لا يبدو حادثا حتى الآن”.

وقاطع الجيش مباحثات تقودها الولايات المتحدة في جنيف منذ 14 أغسطس، بمشاركة السعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي، لإنهاء الحرب في السودان، بينما حضر وفد قوات الدعم السريع.

ويعترض الجيش على مشاركة الإمارات في المفاوضات، ويتمسك بتنفيذ اتفاق جدة كشرط لإرسال وفده إلى جنيف، في حين تعتبر الولايات المتحدة أن أبوظبي والقاهرة يمكن أن تكونا “ضامنتين” لعدم بقاء أي اتفاق حبرا على ورق.

ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في المدينة السعودية، برعاية الرياض وواشنطن، ينص على “حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية”.

ويتبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ الاتفاق.

ويشهد السودان أكبر أزمة إنسانية في العالم. إذ يعاني أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة من الجوع، بينما أُجبر واحد من كل أربعة على ترك منزله.

وتتباين الإحصائيات الخاصة بعدد ضحايا الحرب، إذ تشير تقديرات نقابة أطباء السودان، في مايو الماضي، إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص، وإصابة أكثر من 70 ألفا، متوقعة أن يكون الرقم الحقيقي للضحايا أكبر بكثير.

وفي 25 يونيو، أصدرت لجنة الإنقاذ الدولية تقريرا عن الأوضاع في السودان، مشيرة إلى أن “تقديرات ضحايا الحرب تصل إلى 150 ألف شخص”.

وأشارت اللجنة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في نيويورك، إلى أن 25 مليون شخص من سكان السودان، البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة، في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

وحذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، من أن السودان وصل إلى “نقطة انهيار كارثية”، مع توقع تسجيل عشرات الآلاف من الوفيات التي يمكن تفاديها من جراء الأزمات المتعددة.

الحرة