ماذا يعني تلويح إيران بـ “تغيير العقيدة النووية”؟
“إعلان غير مباشر بامتلاك السلاح النووي، وتغيير استراتيجي قد يغير شكل منطقة الشرق الأوسط بأكملها”، هكذا يرصد عدد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين “الرسائل الخفية” في تلويح أحد قادة الحرس الثوري الإيراني بـ”تغيير العقيدة النووية”، في حال استمرار التهديدات الإسرائيلية لإيران.
الخميس، نقلت وكالة “تسنيم” شبه الرسمية الإيرانية للأنباء عن القائد الكبير بالحرس الثوري الإيراني، أحمد حق طلب، قوله إن إيران قد تراجع “عقيدتها النووية”.
ونقلت الوكالة قائد هيئة حماية المنشآت النووية القول إن، تهديدات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية تجعل من الممكن “مراجعة عقيدتنا وسياساتنا النووية والتحول عن اعتباراتنا السابقة”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يفسر الخبير الاستراتيجي الإيراني، سعيد شاوردي، تصريحات قائد الحرس الثوري على أنها “رسالة تؤكد مواقف إيران بأن برنامجها النووي لأغراض مدنية وسلمية بلا شق عسكري”.
لكن في الوقت ذاته، فالتصريحات بمثابة “رسالة تحمل تحذيرا مسبقا”، لأي طرف يمتلك السلاح النووي ويريد تهديد “الأمن القومي الإيراني”، إذا لم تنجح “الأسلحة التقليدية” في مواجهة “قوة طهران”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير شاوردي إلى أن أي دولة تتعرض للهجوم “تدافع عن نفسها بنفس السلاح الذي يتم الاعتداء عليها بها”.
الدولة “النووية العاشرة”؟
توجد تسع دول فقط حول العالم تمتلك أسلحة نووية، وهي: روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، بريطانيا، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإسرائيل التي لم تؤكد أو تنفي بشكل رسمي حيازتها على السلاح النووي.
ويشير الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء أمين مجذوب، إلى أن إيران تقدم نفسها كالدولة النووية العاشرة، وهو ما يتضح من تصريحاتها ومواقفها.
بحسب مجذوب، يعبر هذا التصريح عن الدول التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية، بينما تدعي إيران عدم حيازتها لهذه الأسلحة، ولكن من الواضح أنها أصبحت تمتلكها وتتحفظ عن الإعلان الرسمي عن ذلك، وقد تستخدمها كجزء من استراتيجيتها الدفاعية والردعية ضد أعدائها.
من جهته، يشير العميد ناجي ملاعب، خبير عسكري واستراتيجي، إلى أن إيران استمرت لسنوات في الترويج لأهداف سلمية لبرنامجها النووي، لكنها في الحقيقة تسعى لتطوير الأسلحة النووية للاستخدام العسكري.
ووصلت لإيران بالفعل لنسبة تخصيب يورانيوم “متقدمة” تمكنها من “تصنيع أسلحة نووية لاستخدامات عسكرية”، وفق حديث ملاعب لموقع “الحرة”.
وبلغ مخزون إيران من اليورانيوم المخصب 5.5 طن في فبراير، وفقا لأحدث تقرير ربع سنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة التي تفتش منشآت التخصيب الإيرانية.
وتقوم إيران الآن بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، ولديها كمية من المواد المخصبة إلى هذا المستوى تكفي، في حالة تخصيبها بدرجة أكبر، لصنع “سلاحين نوويين”، وفقا للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويعني هذا أن ما يسمى “زمن الاختراق” بالنسبة لإيران، وهو الوقت الذي تحتاجه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة نووية، يقترب من الصفر، فقد يستغرق على الأرجح أسابيع أو أياما.
وتعتقد أجهزة المخابرات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت تمتلك برنامج أسلحة نووية منسقا أوقفته عام 2003، وفق وكالة “رويترز”.
وخلصت الوكالة في تقريرها عام 2015 إلى أن إيران عملت على تطوير قطاعات من برنامج للتسليح النووي واستمر بعض العمل حتى أواخر عام 2009.
كيف ترى إسرائيل “التهديد النووي الإيراني”؟
وليل السبت الأحد، أطلقت إيران مئات المسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل، وتم إسقاط معظمها قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية.
والهجوم الإيراني “الأول من نوعه”، جاء ردا على قصف جوي “نُسب لإسرائيل”، وأسفر عن تدمير مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل سبعة عناصر من الحرس الثوري، بينهم اثنان من كبار الضباط، في الأول من أبريل الجاري.
ويثير البرنامج النووي لإيران قلق عدوها اللدود إسرائيل وعددا من الدول الغربية، وفي حين تتهم أطراف عدة إيران بالسعي لامتلاك “أسلحة نووية”، تؤكد طهران سلمية برنامجها وطابعه المدني.
واتهمت طهران إسرائيل بالوقوف خلف عمليات تخريب لمنشآتها النووية، إضافة إلى اغتيال عدد من علمائها على مدى الأعوام الماضية
ومن جانبه، يشير الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، المقدم المتقاعد كوفي لافي، إلى أن الإعلان الإيراني يهدد “آمن وسلامة منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس إسرائيل فقط”.
وإيران “لا تستخدم برنامجها النووي لأغراض سلمية لكنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية” وتلوح بها لتهديد دول المنطقة ودفعهم نحو “الوقوع تحت سيطرتها وسطوتها”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ما معنى “تغيير العقيدة النووية”؟
للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، القول الفصل في “برنامج طهران النووي” الذي يشتبه الغرب في أن له أغراضا عسكرية.
وفي عام 2021، قال وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك إن الضغط الغربي قد يدفع طهران إلى السعي للحصول على “أسلحة نووية”، وهو أمر أصدر خامنئي فتوى بتحريمه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي عام 2019، أكد خامنئي مرة أخرى “بناء وتخزين القنابل النووية أمر خاطئ واستخدامها حراما… على الرغم من أن لدينا التكنولوجيا النووية، فقد تحاشت إيران ذلك تماما”.
ولذلك، يؤكد شاوردي أن إيران قالتها عدة مرات إن “حرمة السلاح النووي فقط هي من تمنع إيران من تصنيع وإنتاج الأسلحة النووية”.
وإذا أرادت أن يكون لديها “برنامج نووي عسكري” فهي قادرة لكنها “لا تريد الذهاب نحو الخيارات النووية التي تؤدي لقتل أعداد هائلة من البشر، وهذا أمر محرم”، وفق العقيدة الإسلامية التي تتبعها إيران، حسبما يوضح شاوردي.
ويشير الخبير الاستراتيجي الإيراني إلى أن إيران استطاعت بناء “برنامج نووي بحجم كبير لأغراض سلمية من خلال عقول وعلماء إيرانيين”، ما يدل على أن إيران “قادرة على تطوير برنامجها النووي” إذا ظهرت حاجة للذهاب نحو ذلك الخيار.
ولذلك يجب ألا يتم الزج بـ”إيران في الزاوية”، ومن مصلحة “أعداء طهران “عدم دفعها نحو “سياسة جديدة”، وفق شاوردي.
ومن جانبه، يشير العميد ملاعب إلى أن “العقيدة النووية الإيرانية” منذ البداية تهدف للحصول على “سلاح نووي يستخدم لأغراض عسكرية”، بغض النظر عن الفتاوى التي “تحرم ذلك”.
وتهدف العقيدة الأساسية لطهران منذ البداية للحصول على “السلاح النووي” وأن تكون في مصاف “الدول ذات القدرات النووية والنفوذ العالمي”، لكن ما فعلته حاليا هو “مجرد إعلان عن النوايا”، حسب ملاعب.
وللإعلان عن ذلك رسميا، قد يتعلق الأمر بمجرد “فتوى جديدة” من خامنئي بالسماح بـ”الحصول على وسائل قتالية نووية”، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.
ويتفق معه، اللواء مجذوب الذي يؤكد أن “إيران تعلن بشكل غير مباشر”، عن امتلاكها السلاح النووي كنوع من “الردع” والذي قد تستخدمه في حال تعرضها لأي تهديد وجودي.
وهذا الإعلان الإيراني سيدفع نحو “تغييرات استراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط خاصة والعالم بشكل عام، ويؤدى لظهور تحالفات نوعية جديدة”، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.
ومن جانبه، يشدد المقدم لافي على أن “إيران قد تستخدم السلاح النووي (إذا كانت تمتلكه)، في حال فشلت المسيرات والصواريخ في تحقيق (الردع) المطلوب لديها”.
وإيران قد تستخدم السلاح النووي، ولكنها لن تسمح لأي من وكلائها وما يعرف بـ”محور المقاومة”، بالتعامل مع تلك الأسلحة الخطيرة، إلا تحت “سيطرة وإشراف النظام الإيراني”، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي.
مواجهة نووية “مرتقبة”؟
يرجح خبراء امتلاك إسرائيل أسلحة نووية، علما بأنها لم تنف أو تؤكد هذا الأمر.
في المقابل، تتهم إسرائيل ودول غربية إيران بالسعي إلى تطوير “السلاح النووي”، وهو ما تنفيه طهران.
ويشدد المقدم لافي على أن إسرائيل لن تكون “الدولة الأولى” التي سوف تستخدم السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، ولن تلجأ لهذا الخيار.
ومسألة السلاح النووي الإيراني”لا تخص إسرائيل فقط”، لكن العالم بأكمله ويجب أن يتم “ضرب منشآت إيران النووية” كضربة استباقية وكنوع من “الردع العالمي”، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي.
وعلى جانب آخر، يؤكد شاوردي أن إيران لا يمكن أن تقبل ولن تسمح باستهداف شعبها أو مصالحها أو أمنها القومي من خلال “السلاح النووي”، وإذا اختار أحد ذلك “سيكون أرتكب الخطأ الأكبر”، ووقتها سوف ترد طهران بـ”أي آلية وأي سلاح”.
وإيران “قوة عسكرية ينبغي أن يحسب لها حسابات كثيرة”، وأي خطأ استراتيجي بالتفكير في “اللجوء للسلاح النووي”، سيقابل برد “غير مسبوق”، وفق الخبير الاستراتيجي الإيراني.
وائل الغول – الحرة