قراءة فى المشهد السياسي وميدان العمليات: (التعقب) و(التخلى)
(1)كيف يمكن قراءة المشهد السياسي السودانى اليوم بعد عام من حالة إنسداد الأفق فى (فبراير – أبريل 2023م) أو ما يعرف بعقدة الإتفاق الإطاري ؟ ، لقد كان وصفة حرب كما قال اصحابه (الإطارىء أو الحرب) ، وهذا ما حدث .. فما هى المآلات والنتائج..؟
وربما يجدر بنا أن نضع كلمة (تعقب) بين معقوفتين لوصف الحال فى المشهد والميدان ، حيث توقفت – تقريبا- العمليات العسكرية الكبري من قبل العدو ، وما تبقي هو محاولة عرقلة التقدم ، وتعقب سير المعارك للتعطيل إلى حين وجود مخرج سياسي أو حدوث إختراق ، وبالقدر نفسه فإن الراهن السياسي فى محاولة تعقب لمواقف سياسية وتأثيرات دولية وإقليمية وصولا لمخرج أو إتفاق يضمن وجود المليشيا فى المشهد السياسي ، دون وجود اى أداة فعلية لحدوث ذلك سوى (فتات) مبادرات أو تسريبات متناثرة.. وهذه أفضل فرصة أو وقت لطرح مبادرة تتجاوز كل هذه الركون.. واهم عناصر هذه المبادرة هو (التخلى) عن مغامرات الوصول للسلطة دون تحقيق شروطها وهى الانتخاب ، فهل تفعل القوى السياسية ذلك ؟.. ربما يتطلب الأمر بعض التفصيل..
(2)
منذ إلتحام قوات كرري والمهندسين فى فبراير 2023م ، لم تكن للعمليات والهجمات العسكرية بأم درمان أى قيمة ، ما عدا سوء تقدير التمسك بالإذاعة والتلفزيون ، وكانت النتيجة خسارة فادحة ، بل أكبر الخسائر فى العتاد منذ معركة معسكر سركاب (ابريل 2023م) ، والهجوم على سلاح الإشارة ببحري هو محاولة لمنع الإلتحام مع القوات القادمة من الكدرو ومعسكر حطاب ، ولتقليل زخم الإندفاع فى بحرى ، ولكنه لا يعطى أى ميزة عسكرية ، وكذلك الهجوم على مدينة الفاو (ميجر 5) لمحاولة وقف وزخم الضغط على ولاية الجزيرة ، وسبق ذلك محاولات تسلل إلى المناقل وغرب سنار ، وهجمات متفرقة على الفاشر ، وتبقى النقطة الوحيدة التى تتعرض لعمليات هجومية فعلية هى بابنوسة أو الفرقة 22 ، وهذا لأسباب معنوية وجهوية لا أكثر ، ولا تتوفر فى الأفق قوة دفع جديدة ، حتى لو شاركت أطراف إقليمية مع تزايد مدى سلاح الجو..
وعلى المستوى السياسي ، فإن القوى المتهمة بالقيام بدور الحاضنة السياسية (قحت) و(تقدم) ، عجزت عن تسويق إعلان المبادىء الذي تم توقيعه مع مليشيا الدعم السريع ، بل فشلت تلك القوى فى إقناع الرأى العام بمواقفها ، وقد جرى اعتراف مستمر منهم بأنهم (دفعوا أثمان لمواقفهم) ، بينما الفاعلين الآخرين دفعوا أرواحهم وجراحهم وأموالهم من أجل قضية الوطن..
وعلى جانب آخر توصم أى تحركات سياسية واجتماعية داخلية بأنه بحث عن السلطة ، فهل يمكن أن نؤسس إلى منهج (التخلى) عن إتخاذ التحالفات وسيلة للوصول للسلطة والتوافق على كليات وطنية والتفرغ للانتخابات وإسناد الأمر لخبراء تكنوقراط..
(3)
من الواضح ، ان خيارات (قحت) و (تقدم) تستند على امور ثلاث:
– إختطاف المشهد السياسي مثلما حدث فى يوليو 2019م ، والوصول لشراكة سياسية مع ذات الأطراف العسكرية مع ذات الاقصاء ، وهو ما يبرر ويفسر التسريبات (القدس العربي ومجلة المجلة) ..
* الإستناد إلى تدخل أجنبي ، والدخول من بوابة (جلبي) على ظهر دبابة غربية وهو خيار لم يعد قائما ، مع أنهم نادوا كثيرا باستخدام البند السابع ضد بلادهم ووطنهم ، وتحدثوا عن الارهاب ، العالم مشغول بتحديات كثيرة والسودان على هامش الاحداث..
* فرض الاجندة بخيار البندقية وما يمثله حميدتى وهو على مشارف الخسران بعد عام من الرهان!!
وعليه فإن الأمر يعود إليهم فى إعادة النظر فى مواقفهم ، وخياراتهم محدودة..
ومع بدء الحوارات السياسية والمجتمعية ، فأننى ارجو أن تتاح فرصة للحوار معهم بأجندة وطنية تستبعد أولا قضية (السلطة) وتعتمد مبدأ (الوطن والانسان)..
نحن إذن فى مرحلة إستكشاف انتقال مهم ، فهل نلتقط مبدأ (التخلى) عن الدوران فى مغالطات المنافسات السياسية لصالح الوطن والمواطن ام نواصل ذات الصراع الصفري المدمر..
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق علي
21 مارس 2024م