عودة «الحشّاشين»
في كل موسم رمضاني كنت أحسّ بحنين كبير للأعمال التاريخية الضخمة، بعد أن أستحضر في ذاكرتي ما قدمه التوأم الفني المتميز الكاتب وحيد سيف، والمخرج حاتم علي، رحمه الله. فما تزال الثلاثية الأندلسية محفورة في ذاكرة كل من تابعها. وتابعت مسلسلات تاريخية عديدة بعد الثلاثية مثل «عمر» و«مقامات العشق» عن ابن عربي، وصولاً إلى «رسالة الإمام» العام الماضي فوجدتها – وهذا رأي لا أُلزم به أحداً – تراوح بين المتوسط والمقبول، وافتقدت فيها الخيط الذي يشد من أول حلقة إلى آخرها مثلما أحسست وأنا أتابع «ربيع قرطبة» مثلاً، لذلك كنت سعيدة بمسلسل الحشاشين، وهو يصبح «ترند» منذ حلقته الأولى، إذ أثار تعليقات ومناقشات، وكُتبت عنه مقالات ومراجعات ولم يبلغ رُبعَه إلى حين كتابة مقالي. ومجمل الاعتراضات تدور حول فكرتين: اعتماد اللهجة المصرية في مسلسل تدور أحداثه قبل 1000 سنة وفي بلدان متعددة، والمخالفات التاريخية لما عُرف من سيرة حسن الصبّاح، الشخصية المركزية في المسلسل.
وعلى الرغم من أن بعض ما ورد في المسلسل مجرد أساطير تدحضها الحقائق التاريخية مثل اجتماع حسن الصبّاح والوزير نظام الملك والشاعر عمر الخيام أيام الدراسة وتعاهدهم على مساعدة بعضهم، وهذا لا يصح تاريخياً، فنظام الملك أكبر من الصبّاح بـ20 سنة، كما أنهما درسا في بلدين مختلفين، وهي أساطير صاحبت سيرة الصبّاح تماماً مثل الجنة التي قالوا إنه أنشأها في قلعة «آلموت»، ولا أدري كيف يستقيم ذلك في مكان ضيق المساحة شديد الارتفاع تغطيه الثلوج أغلب أشهر السنة، فإنني أتوافق مع المخرج حين علل ذلك بمتطلبات درامية، فالمسلسل ليس درساً في التاريخ لا تذكر فيه سوى الوقائع، بل هو عمل مستوحى من وقائع حدثت فعلاً يمازجها خيال وإبهار بصري عمدته التشويق. ولا أعتقد أن مسلسلاً تاريخياً عربياً كان أو غربياً نجا من تتبع المغالطات التاريخية فيه، بل إن الأحداث نفسها في الكتب تصل حدّ التناقض أحياناً.
أما عن اللغة فكنت أفضل مثل كثيرين غيري لو كانت بالفصحى، وتجربة السوريين في ذلك كانت ناجحة ويُبنى عليها، فاللغة العربية هي الوحيدة التي تجمع ما بين بلدانها، مهما كانت لهجة بلد ما مفهومة أو متعوّداً عليها. إذ تحيل اللهجة المشاهد لا شعورياً إلى الزمن الحالي وتشوّش عليه التماهي مع الفترة التاريخية التي يتابعها.
ما يحسب للمسلسل أن الضجة التي أثيرت حوله دفعت الكثيرين من أعمار مختلفة إلى البحث والقراءة عن «الحشاشين» وزعيمهم «الصبّاح» وهذا بحدّ ذاته يعد نجاحاً للمسلسل سواء قصد صانعوه ذلك أم لم يقصدوه.
د. بروين حبيب – الإمارات اليوم