«أبو نسب».. كوميديا تليق بأبناء عادل إمام
مهما قدم من أعمال وخرج من إطار الكوميديا كمن يهرب من تهمة ألصقها به بعض النقاد، ومهما غيّر من جلده ونوّع في أدواره وحاول تلاشي مقارنته طوال الوقت بأبيه واتهامه بتقليده.. سيبقى محمد إمام في عيون الجمهور ابن النجم الكبير عادل إمام أولاً، ثم ممثل ثانياً، وبلا شك تجده فخوراً بهذا الانتماء وبهذه المقارنة، فليس عيباً أن يقال بأنه يقلّد أباه بحركاته ونظراته وبعض «إفيهاته» في السينما، وليس ذنبه أن يكون قد ورث من جيناته وأخذ من شكله، والسؤال الأهم: مَن من الشباب الممثلين نجوم الكوميديا الجدد لم يحلم بأن يكون مثل عادل إمام وحاول تقليده؟ لذلك يبدو أن الجمهور فهم هذه المعادلة وأنصف فيلم «أبو نسب» الذي يحمل توقيع شقيقه المخرج رامي إمام والمؤلف أيمن وتار، فمنحه النجاح الذي يستحقه.
كل المعطيات مهدت الطريق أمام هذا الفيلم ليكون ناجحاً ويرضي كل الأذواق، من التأليف إلى الإخراج، ثم اختيار الأبطال وكل الممثلين الذين شاركوا فيه سواء بأدوار ثانوية وذات مساحة جيدة أم كضيوف شرف عابرين لم يتجاوز حضور بعضهم المشهد الواحد. أيمن وتار الذي قدم سابقاً أفلاماً ناجحة ومميزة مثل «فضل ونعمة» و«البعض لا يذهب للمأذون مرتين» و«نادي الرجال السري».. يقدم هذه المرة قصة ليست جديدة على الشاشة، بل تنتسب إلى نوعية الأفلام الكوميدية الاجتماعية الطريفة والمحببة مثل «عريس من جهة أمنية» (2004) للنجم عادل إمام والمخرج علي إدريس والمؤلف يوسف معاطي، دون أن يقتبس أو يقلّد أو يستنسخ.. «أبو نسب» جمع بين الأكشن والمطاردات والمواقف الكوميدية غير المبتذلة ولا الساذجة، بجانب الرومانسية التي تمشي مع القصة منذ بدايتها وتشكل ستاراً أو هالة تحيط بباقي الأحداث التي تأخذ مساحة كبيرة وتطغى بتفاصيلها على معظم المشاهد، وهي الدافع الأكبر لتشكيل هذه الكوميديا الظريفة والناجحة.
يختار المخرج رامي إمام الهادئ في أسلوبه والمتقن والدقيق في صورته والمتميز في رؤيته، أن يبدأ تقديم قصة طبيب الأطفال علي (محمد إمام) وحبيبته داليا (ياسمين صبري) وهما معلقان في الهواء في إحدى ألعاب الأطفال في مدينة ملاهي، الكل يتوسل إليه بالتقدم ليفسح المجال أمام الآخرين (الأطفال) والسير على تلك الحبال، وهو يرفض من شدة خوفه؛ تمهيد يساعدنا في فهم طبيعة شخصية علي سريعاً ومدى حبه لخطيبته، لدرجة أنه يتمسك بها رغم كل الصعوبات والمخاطر التي يواجهها بسببها؛ على نفس الخط تظهر والدة العروس كاميليا (وفاء عامر) ووالدة العريس الدكتورة بشاير (هالة فاخر)، ظهورهما سريع، وللأسف لم يكمل أيمن وتار رسم خط سيرهما بجانب ولديهما، فظهرتا في مشهد معبّر عن إصرار كل منهما تنفيذ وجهة نظرها ورأيها بالنسبة لترتيبات العرس، فيجد علي الحل بإرضائهما وتنفيذ رغبة كل منهما في الجهة المخصصة لمدعويها.. وفاء وهالة تخليان الساحة مع ظهور ماجد الكدواني بدور والد داليا داوود صبحي الشنش، مجرم وزعيم عصابة خرج للتوّ من السجن ليفاجئ ابنته ويشكل صدمة للجميع، حيث أخفت داليا حقيقة عمل والدها وأنه موجود في السجن. داوود يسعى لإفساد الزواج وجعل الدكتور علي يهرب بلا عودة كي لا يتزوج من ابنته؛ غيرة الأب على ابنته ومن عريسها ذكرتنا بالمواقف الكوميدية في «عريس من جهة أمنية»، مع فارق أن الأب هنا زعيم عصابة شرس، وماجد الكدواني رائع بأداء هذا الدور.
الفيلم غني بالشخصيات التي تظهر ثم تختفي لتحل مكانها أخرى، وغني بأداء نجومه على رأسهم ماجد الكدواني الذي صار علامة فارقة في مجال التمثيل، أدى دور الأب متنقلاً بين نظرة الحنان والضعف أمام ابنته ونظرة القسوة والترهيب كزعيم عصابة وقاتل شرس.. ثم محمد إمام، وهنا تلفتنا إحدى مميزات الفيلم وهي في نفس الوقت نقطة إيجابية ومهمة تحسب لمحمد إمام، الذي لم يظهر في كل المشاهد بل نافسه في الظهور وحجم الدور ومساحته النجم ماجد الكدواني، ورغم ذلك شكل الكدواني ومحمد إمام ثنائياً رائعاً، لا انسجام بين داوود وعريس ابنته علي، وهناك اختلاف واضح جداً في طبيعة الشخصيتين علي وداوود، هذا الأخير ماكر وخبيث وزعيم عصابة، بينما الثاني بريء لدرجة السذاجة أحياناً، تناقض خلق مساحة جيدة لتقديم كوميديا محببة بأحداث منطقية إلى حد ما. محمد إمام منح الشخصية أبعاداً لتصل إلينا كما يجب أن نتخيلها، طبيب متعلم ومهذب جداً ومسالم جداً، غير رياضي بل يظهر «كرشه» بشكل واضح، شكل وأداء متناسق مع طبيعة الشخصية.. وكان من المفترض أن تكون ياسمين صبري هي الضلع الثالث والشريك الأساسي في نجاح الفيلم، لكنها لم تخرج بأدائها عن المعهود لديها، شخصية ظريفة، فتاة جميلة وجذابة، إنما في التمثيل تراوح مكانها ومازالت تقف عند قشور الأداء دون التوغل في عمقه.
من المشاركين في العمل محمد لطفي الرفيق الدائم لداوود، بينما تطل شيرين رضا في مشهد واحد كإحدى زعيمات العصابة، صلاح عبدالله ضيف سريع العبور في مشهد ظريف مع محمد إمام، ماجد المصري إضافة للنصف الثاني من الفيلم حيث نصل إلى ذروة الأحداث مع خطف رزق الخايش (ماجد المصري) داليا بهدف الانتقام من صديق عمره داوود الشنش، ومسك الختام شيكو الذي يعتبر ظهوره مفاجأة، يُختتم بها الفيلم، باعتباره شقيق داليا الذي سيخرج من السجن ولم يكن يعلم علي بوجوده؛ ختام يصلح لأن يكون تمهيداً لجزء ثانٍ من الفيلم.
رامي إمام أجاد اختيار النجوم والممثلين حتى الكومبارس منهم من يُضحكك بشكله ودون تفوهه بكلمة، وأعاد تذكيرنا هو والمؤلف بالنجم عادل إمام لاختيارهم بعض الشخصيات الكبيرة في السن والصامتة، وطريقة تحدث محمد إمام إليهم وتحديداً قوله لأحدهم: «انت ايه اللي مصحيك لغاية دلوقتي».
«أبو نسب» كوميديا تليق بأبناء عادل إمام وتليق بالجمهور وبشباب اليوم، وتليق بالفن الكوميدي خصوصاً أنها تتضمن فكرة وحواراً جيدين، ومن العبارات اللافتة مثلاً، قول داليا لوالدها حين حاول إقناعها بأن علي لا يحبها وإلا لحارب من أجلها: «مش لازم كل شيء يكون حرب، علي مش زيّك». نجاح الفيلم ينسب إلى كل صناعه بغض النظر عن أرقام الإيرادات وما حققه منذ بداية عرضه في الصالات في العالم العربي وحتى انتقال عرضه إلى دول أجنبية.
مارلين سلوم – صحيفة الخليج