أبرز العناوينرأي ومقالات

المساس بسيادة مصر.. لو تعلمون

فى ظل عبثية المشهد الإسرائيلى ومغامرات اليمين المتطرّف بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو، التى خرجت عن كل الأطر السياسية، والعسكرية، والاقتصادية.

يمارس «نتنياهو» كل التناقضات، متخبّطاً كمن يريد إحراق الأرض التى يزعمون كذباً أنها حق لهم! يرفض تارة عودة النازحين إلى الشمال، ثم يعود ليُصرح بأنه سيفتح ممرات آمنة قبل بدء الهجوم على رفح لعودة النازحين من سكان قطاع غزة إلى الشمال أو خان يونس.

يُمعن فى إشعال نيران الاستفزاز السياسى حين يعرّض معاهدات سلام دولية وُقِّعت فى حضور قادة العالم للتعليق الفورى، وفق ما ورد فى التصريحات الرسمية من مصر إذا ما تجرأ على المساس بمنطقة محور فيلادلفيا أو دفع سكان قطاع غزة داخل الحدود المصرية.

يبدو أن ذاكرة المراهق نتنياهو غاب عنها أن استفزاز مصر أمنياً وعسكرياً هو بمثابة شهادة وفاة تختتم كل سلاسل الفشل التى توالت على مغامراته، فهو لم يُحقّق أى نصر استراتيجى على المقاومة، حتى عندما حاول التلويح -كوسيلة هروب من فشله- بارتكاب مجازر جديدة فى رفح، واهماً أن التلويح بهذه العملية سيُشكل ورقة ضغط على حماس، ولو على حساب جُثث المزيد من آلاف الأبرياء، كمحاولة لإجبار «حماس» على قبول صفقة على هوى اليمين المتطرف.

عسكرياً، نجحت المقاومة فى تكبيد الجيش الإسرائيلى خسائر فادحة فى حرب المدن داخل مختلف مناطق غزة وغيرها من المدن. واقتصادياً، نقلت صحيفة إسرائيلية متخصّصة فى الاقتصاد أرقاماً أولية لوزارة المالية بأن تكلفة الحرب التى تخوضها إسرائيل ستصل إلى 51 مليار دولار حال استمرارها لأشهر قادمة، بالإضافة إلى تخفيض وكالة «موديز» لخدمات المستثمرين تصنيف الحكومة إلى درجة أدنى، بعدما تم تخفيض التصنيف الائتمانى لإسرائيل، ومع تزايد التكاليف المالية، فإن إسرائيل تسير فى طريقها لأحد أكبر عجز فى الميزانية هذا القرن.

التعنّت الصهيونى دفع إلى امتداد الصراع ليشمل دول العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، بالإضافة إلى دخول أطراف إقليمية ودولية، رغم تصريحات كل الأطراف بأنها لا تسعى إلى تصاعد الموقف إلى مواجهة مباشرة بينهما.

مخاوف التصعيد العسكرى تظل قائمة، تحديداً مع وجود عامل مهم فى هذه الصراعات المتبادلة، بأنها لا توشك على الانتهاء ولا تطرح خطة جادة واضحة لتسوية سياسية، سواء على صعيد القضية الفلسطينية أو إشكالية الصراع على النفوذ فى المنطقة العربية بين القوى الدولية والأطراف الإقليمية، حيث يواجه الأول تحدياً غير مسبوق من دول إقليمية تتجاوز أبعاده الاستراتيجية حدود الجغرافيا، لتمتد إلى قضايا الأمن القومى لكل منهما، إذ تشعر دول إقليمية بأن إقصاءها عن ترتيبات ملامح النظام الشرق أوسطى الذى تُعاد صياغته أمر غير مقبول، خصوصاً أنها تجاور دول المنطقة العربية وتحتفظ بمصالحها مع أغلب هذه الدول.

فى المقابل، الممارسات الوحشية من جانب إسرائيل تغلق المزيد من الطرق أمام أى بارقة أمل للتوصّل إلى وقف تام للحرب، مما وضع الرئيس الأمريكى بايدن فى موقف لا يُحسد عليه قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية بعد عجزه عن تحقيق أى نجاح على صعيد السياسة الخارجية يضع حداً للتدنى المستمر فى فرص فوزه بالانتخابات القادمة.

الأجواء ما زالت تترقّب نتائج كل الجهود الدبلوماسية لوقف نزيف الدماء فى قطاع غزة وإعادة أجواء الاستقرار إلى المنطقة العربية. مصر تقود مسارات هى الأكثر حرصاً على ضمان الأمن القومى العربى.

قوة وفاعلية الدور الذى تبنّته القيادة السياسية نجحتا فى تحقيق التوازن على عدة جبهات.. وكذلك الالتحام مع الموقف الشعبى المصرى فى دعم القضية الفلسطينية ورفض التلاعب بمقدراتها عن طريق تهجير الشعب الفلسطينى أو التعدى على سيادة الأرض المصرية.

أكثر هذه المواقف وضوحاً عبّر عنه موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى الصارم من تعريض اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية للتعليق إثر بعض هلاوس اليمين المتطرّف الإسرائيلى حول المساس بمنطقة محور فلادلفيا.. وتحرص مصر على إبقاء حركة تواصل دبلوماسى مكثف مع جميع الأطراف بلا استثناء.

الأطراف الإقليمية بالتأكيد أصبحت رقماً مؤثراً فى المعادلة السياسية والاستراتيجية، مما يرجّح أخذ حساباتها فى عين الاعتبار مع ترتيبات المنطقة مستقبلاً.

من جهة أخرى، مصر هى قوة فاعلة ظهر تأثير دورها عربياً ودولياً منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، وبالتالى فإن حكمة التوازن الذى حقّقته منذ 2014 فى مسار سياسة خارجية رشيدة كانت تقضى بالتغاضى عن أى توترات سابقة فى سبيل احتفاظ مصر بعلاقات متوازنة تمكنها من استمرار جهودها للوصول إلى تهدئة فى المنطقة العربية، بعيداً عن التدنى لمتاهات المتاجرة والشعارات التى أحاطت بالقضية الفلسطينية منذ 1945.

وتبدّت استقلالية القرار السيادى المصرى بكل مظاهرها عن الارتباط بمنظور قوى دولية ظلت إداراتها المتعاقبة تنظر إلى الأطراف الإقليمية من زاوية بعيدة عن مصالح دول عربية.. رؤية بالتأكيد لا تتفق فى مواقف كثيرة مع مصالح شركاء تجمعهم جغرافيا منطقة الشرق الأوسط.

لينا مطلوم – الوطن نيوز
1583693834