رئيس العلا طار بالمنطاد
في 28 ينـــاير أو قبل أربعة أيام، أوضحت (نزاهة) أنها أوقفت الرئيس التنفيــذي لهيئة العلا ومعه آخرون، وذلك على خلفية تورطه في جرائم استغلال نفوذ وظيفي وغسل أموال، وحصوله على عقود بطريقة غير نظامية من جهاز حكومي، لصالح شركة المواهب الوطنية، بقيمة تتجاوز 206 ملايين و600 ألف ريال أو ما يعادل 55 مليون دولار، خلال الفترة التي سبقت عمله الحكومي، والتي غادرها صورياً ولا زال واحداً من ملاكهـــــا، رغم إبلاغه بإنهاء العلاقة عند التحاقه بالعمل العـام، وأنه قام بتزكيتهـــا للإدارات المعنية بهيئــة العلا، وبارك ترسيــــة مشـاريع عليها، تقدر قيمتها بنحو مليون ومئتي ألف ريال، أو ما يســــاوي 320 ألف دولار، وطلب من الشـــركات المتعاقدة مع الهيئة، تنفيذ أعمال لمصلحته الشخصية، مع العلم أنه كان رئيساً تنفيذياً لهيئة الترفيه، قبل سبعة أعوام، أو في فترة رئاسة وزير السياحة الحالي أحمد الخطيب.
الأعمال التي قام بها الرئيس التنفيذي ورفقاؤه، عند ثبوتها بشكل قاطع، قد تصل عقوباتها مجتمعة إلى السجن 25 عاماً، في حالتي استغلال النفوذ وغسل الأموال، لارتباط غسل الأموال بوظيفة حكومية، وتقدر غراماتها بأكثر من خمســـة ملايين، أو قرابة مليون وثلاثمائة وثلاثين ألف دولار، مع مصادرة أموال الفساد، وفي العادة يأخذ المتواطئ فيها نفس عقوبة المتورط، ومسألة غسل الأموال يحتمل شرعنتها باستخدام شركات (الأوفشور) الموجود في بعض الدول الصغيرة، والتي تعمل على إخفاء هويات الأشخاص وأعمالهم، وتحريك أموالهم بطرق سرية يصعب كشفها، وتنظيفها عن طريق استثمارات وصفقات شرعية، وفي مجالات، من أبرزها، سوق الأوراق المالية والعقارات والسياحة، ولا يستبعد أن الرئيس التنفيذي لهيئة العلا وشركاءه، قد قاموا بإيداع أموالهم القذرة في شركات الأوفشور، وهذه الممارسات تؤثر في المنافسة العادلة والاقتصاد الوطني، وتؤدي لبطالة الأكفاء ونظيفي اليد، والضغط عليهم بالاستقالة أو التواطؤ لإحالتهم على التقاعد، وترتبط، في بعض الأحيان، بالإرهاب والإسلام السياسي والجريمة المنظمة.
سنغافورة تعتبـــر من الدول الرائدة في مكافحة الفساد، فقد استطــــاعت محاربته بتبسيط إجراءاتها الإدارية، وتقليل المستندات المطلـــوبة من الموظفين والمراجعين، لأن الإجراءات المعقدة توفر بيئة خصبة لتكاثر الفاسدين، واعتمـــــدت الحكومة السنغافوية مبدأ التحويل المالي الإلكتروني، وتحديداً في التعاملات المالية بين موظفـــي الدولة، أو الخاصة بالتعاقد مع الشركات وآحاد الناس، وفي تمكين مواطنيها من الخــدمات المختلفة، ووفرت 1600 خدمة و700 ترخيص، يمكن الحصول عليها إلكترونياً، والخدمات التي لم تخضع للأتمتة، يتم تقديمها بواسطة موظف واحد لكل مستفيد، وبحيث يعمل على إنهاء كامل إجــراءاتها، وحذرت كل موظفيها الحكوميين من التعريف بصفاتهم لمقدمي الخدمات، حتى لا يتأثروا بها، ورئيس تنزانيا الخامس ومن شدة مقاومته للفساد كانوا يصفونه بـ(البلدوزر)، وفي الاتحاد السوفيتي السابق أقروا عقوبة الإعدام على المرتشين، والصين لم تنهض اقتصادياً، إلا بعد وقوف رئيسها ضد فساد كبار مسؤوليها في 2012.
وفق مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، قفزت المملكة من المركز 62 إلى المركز 51، ما بين عامي 2016 و2019، والمعنى أنها تفوقت على 11 دولة في ثلاثة أعوام، وهو رقم قياسي ومعجـــــز، ولولا الإجـــــراءات الجــــراحية الصعبة، التي قام بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبالأخص منذ يوم الرابع من نوفمبر 2017، والذي جاء بعد إعادة المجتمع السعودي إلى الإسلام الطبيعي المعتدل، وهما بالمناسبة من الأيـام الخالدة في ذاكرتي، ولولاهما لمـــا أمكن الوصول إلى النهضة الحالية في المملكة، وما تمثله من مفخرة لكل سعودي، باستثناء أصوات النشاز المعتادة من المهووسين بنظريات المؤامرة.
مكافحة الفساد الجادة في المملكة وصلت لعامها السابع، وتمكنت خلال الفترة من 2017 إلى 2020، من استرداد 247 مليار ريال، أو ما يعادل 66 مليار دولار، بالإضافة إلى أصول بعشرات المليارات موزعة على عقارات وأسهم، وكل هذا ساهم في معالجة الاختلالات في مؤسسات الدولة، وتنظيم الاقتصاد، وتنويع مصادر الدخل، فقد كان يستقطع، قبل الحرب عليه، ما نسبته 15 % من ميزانية الدولة، ومعها 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية، وأصبحت قضايا الرشوة والمحسوبية والاختلاسات والتزوير محدودة جداً، بعد أن كانت تناقش في المجالس العامة كوسيلة لإنجاز الأعمال.
المملكة، انتقلت إلى الرقمنة في جزء كبير من خدماتها، وهو أمر جيد؛ لأن المعاملات الورقية مهما كانت بسيطة، تصنف باعتبارها من أكبر بوابات الفساد المالي والإداري، والعمل الحكومي الإلكتروني يسهل عمليات المتابعة والحوكمة الإدارية والمالية، ولكنها – في رأيي – مازالت تحتاج إلى تطوير، والأنسب أن لا يتوقف عمل “نزاهة” عند محاسبة المفسد، والمفروض استكماله بتعويض من تضررت مصالحهم نتيجة لتصرفات الفاسدين، أو تحيلهم إلى جهة مختصة تحت إشرافها لاسترداد حقوقهم المسلوبة، ولا أعتقد أن هذه الأفكار تغيب عن صاحب الرؤية المباركة.
د. بدر بن سعود – جريدة الرياض