حرب غزة.. شتاء وحصار
في فصل الشتاء يفضل الكثيرون الجلوس في البيت، وعدم الخروج إلا للضرورة، سواء هروباً من البرد القارس، أو من الأمطار والعواصف. نجلس مرتدين ما تيسر لنا من الملابس الصوفية، والجلدية، والثقيلة التي تصد البرد عن أن يخترق العظام، مهدداً الكبار والصغار، ونسلّم أنفسنا للشاشات، لتطاردنا صور ومشاهد الموت المتنقل بين مدن وأحياء وقرى قطاع غزة، تؤلم هذه المشاهد الكثيرين ممن يشاهدون، ويتألمون، وهم عاجزون عن فعل شيء يوقف أحدث آلات القتل التي استفردت بالناس وحاصرتهم، وأقصى ما يمكنهم فعله هو التبرع بالممكن، أملاً في المساهمة في وقاية بعضهم من قسوة البرد، وطوفان الأمطار.
يتبرعون وهم لا يعلمون إذا ما كانت تبرعاتهم ستصل إلى الأرض المحاصرة، أم ستعرقل وصولها إسرائيل إلى مليونين وثلاثمئة ألف نسمة هناك. في المقابل فإن الداعمين للعدوان الغاشم على غزة، يجلسون في مكاتبهم وغرفهم المكيفة، ولا تحرك فيهم ساكناً مشاهد القتل العشوائي للأبرياء، من الأطفال والنساء والشيوخ، ولا تزحزحهم عن مواقفهم المتحجرة مشاهد الخراب والدمار المنقولة يومياً، عبر مواقع التواصل من القطاع، ولا توقظ ضمائرهم مشاهد الموت جوعاً بفعل الحصار الممتد لسنوات، ولا تحيي إنسانيتهم مشاهد الظلام والتشرد وقسوة الشتاء الذي يلتحف فيه أهل غزة السماء، من دون أن تتوفر لهم أدنى حقوق الوقاية من البرد، والأمطار التي تختلط بما تبقى من أنقاض وجثث، لتفرز أوبئة بدأت تنتشر في القطاع المغضوب عليه من المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان، وهم يجيزون سلب الإنسان أهم وأبسط حقوقه في الحياة التي منحه إياها رب العالمين.
الموت يحاصر أهل غزة، فمن ينجو من القصف الجوي تستهدفه المدفعية، ومن ينجو من أسلحة الحرب لن ينجو من البرد والأمطار التي تعوم فيها خيام النازحين، ومن ينجو من هذا وذاك، تتلقفه الأوبئة التي أفرزتها الجثث المتحللة تحت الأنقاض، وأحوال الطقس، ومن يفلت من كل ذلك مهدد بالموت، جوعاً أو عطشاً، أو نتيجة نقص الأدوية.
المنظمات الأممية، السياسية والإنسانية والصحية، صرخت بأعلى الصوت محذرة من نتائج انهيار مقومات الحياة في غزة، وتحدثت بلغة الأرقام عن المهدَّدين في حياتهم، سواء لأسباب صحية، أو غذائية، أو عسكرية، ووصلت أصداء صرخاتهم إلى أركان الأرض الأربع، لكنها لم تغير من مواقف أصحاب القرار في استمرار هذه الحرب الظالمة، ولا يزال نتنياهو يتحدث عن حرب طويلة تمتد إلى 2025. الدول الساعية إلى سلام العالم واستقرار المنطقة، تحركت دبلوماسياً عبر مجلس الأمن، ولكن الفيتو الأمريكي كان لها بالمرصاد، وعبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكنهم لم يلتفتوا لقراراتها.
إن أهل القطاع يحتاجون قبل ذلك إلى وقف الحرب، والأمان، والسكن في منازل، فالحياة حق لهم مثل غيرهم من شعوب الأرض، ولكن يبدو حتى الآن أن الهدف هو إما الإبادة وإما التهجير، والدليل أن إسرائيل لم تكتف بما ارتكبته من مجازر، فهي ستستمر في خطتها غير عابئة لا بالمطالبات الإنسانية، ولا بقسوة الظروف الجوية.
محمود حسونة – صحيفة الخليج