رأي ومقالات

نفق إسرائيلي بامتياز

بعد أكثر من 100 يوم على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يبدو أن الأنفاق المنتشرة على مساحة القطاع لم تكن فقط مفاجأة حقيقية للجيش الإسرائيلي، على الرغم من أنه كان يعلم بوجودها، وإنما أدخلت المستوى السياسي أيضاً في دهاليزها المظلمة من دون أن يرى الضوء في نهايتها.

هذه الأنفاق التي دخل الجيش الإسرائيلي لتدميرها كجزء من أهدافه المعلنة في القضاء على الفصائل الفلسطينية واستعادة الرهائن المحتجزين لديها، وهو قد دمر بعضها بالفعل، سرعان ما شكلت مأزقاً حقيقياً له حين وجد نفسه في متاهة، سواء بسبب التعقيدات التي يواجهها، أو قلة معلوماته الاستخبارية عنها، وربما تدخله في حرب استنزاف طويلة الأمد. لكن ما هو أهم من ذلك، أنها أدخلت المستوى السياسي أيضاً في نفق كبير لا وجود لضوء في نهايته، على الأفل في المستقبل القريب. فالوحدة الشكلية التي ظهرت بين مختلف القوى الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لم تصمد طويلاً. إذ سرعان ما انقجرت الخلافات بين القيادات السياسية والعسكرية والأمنية بسبب تحميل المسؤوليات عن الفشل الاستراتيجي الذي حدث على مختلف المستويات، والذي تطور لاحقاً إلى خلافات بين الجيش والقيادة السياسية وفي داخل الحكومة الإسرائيلية، حول إدارة الحرب وأهدافها النهائية.

وكانت أنفاق غزة حاضرة أيضاً حيث لعبت دوراً مهماً في تعميق هذه الخلافات، فهي، من جهة، أبطأت توغل الجيش الإسرائيلي، على الرغم من الفارق الهائل في موازين القوى، ومنعته من تحقيق أي إنجاز حقيقي أو صورة نصر، بل أظهرت هذا الجيش بصورة العاجز عن تحقيق أي شيء باستثناء التدمير والقتل لعشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، لينقلب العالم ضده، ويجر معه إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب «أعمال إبادة». الأمر الآخر هو أن هذه الأنفاق ساهمت بشكل مباشر في انقسام المجتمع الإسرائيلي والدفع نحو تغيير أولويات الحرب، عبر نشر فيديوهات متتالية عن الرهائن المحتجزين، ليتطور هذا الأمر إلى المطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو والذهاب للانتخابات البرلمانية حتى في ظل الحرب.

وبالمحصلة، فإن عجز الجيش في الميدان أدخل القيادة السياسية في مأزق حقيقي، فهي تريد استمرار الحرب لحسابات شخصية وسياسية حتى تحقيق انتصار واضح كما تدعي، بينما يريد الجيش التساوق مع الإدارة الأمريكية في الانتقال إلى المرحلة الثالثة، ووضع أهداف سياسية لها، وهو ما لا يريده نتنياهو واليمين المتطرف، لكنه يُبقي الجميع داخل النفق حتى إشعار آخر.

يونس السيد – صحيفة الخليج
y2%5B1%5D