رأي ومقالات

قطر الثبات على المبادئ والقيم والتوجه الإنساني

لعقود مضت سعت دولة قطر إلى تعزيز دورها الإقليمي، من خلال سعيها لتبني سياسة مستقلة تتوافق مع واقعها الجيوسياسي، والذي فرض نفسه ولا قدرة لها على تغييره، فهي محاطةٌ بدول أكبر منها جغرافياً، وديموغرافياً، وتاريخياً، وأكثر تأثيراً بامتلاكها مفاتيح للقوى الصلبة، ورغم ذلك استطاعت دولة قطر خلق استراتيجيات جديدة، واتباع سياسة مستقلة والقيام بدور إقليمي مؤثر، وفق ما تملكه من مفاتيح للقوى الناعمة، مستفيدة من التناقضات النسبية للنظام الإقليمي الذي تعيش فيه، مجنبةً نفسها محاولة أي طرف بسط هيمنته ونفوذه، أو الإخلال بتوازنات محيطها الجغرافي ككل، فارتكزت سياستها الخارجية على مبادئ دعم التعاون الدولي، ومحاولة إيجاد حل للنزاعات بالطرق السلمية، وتشجيع الحوار، وتبني دور الوساطة، دون الإخلال بمبادئها وقيمها، مع احترام العهود والمواثيق الدولية، وفي إطار غطاء شرعي من المنظمات الإقليمية والدولية، فعلى سبيل المثال لعبت دولة قطر دور الوسيط في أزمة لبنان 2008، ودعم جهود السلام في السودان بين عامي 2008-2013، وكانت طرفاً في توقيع اتفاق السلام والمصالحة في ليبيا 2015، كما سعت إلى الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان 2020، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل 2021، وتبنت اتفاقية الدوحة للسلام والتي جمعت الحركات السياسية والعسكرية في تشاد لحوار وطني شامل، حيث أتت كل هذه الجهود في إطار ترجمة لسياستها الخارجية إلى واقع ملموس يعزز فرص السلام ويدعم القضايا العادلة.

مع تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي تؤكد دولة قطر مجدداً بأن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للعرب والمسلمين، وأكدت موقفها ودعمها الثابت واللامحدود تجاه الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة، مظهرةً استعداداً لبذل كل الجهد لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، ولاستعادة حقوقه المسلوبة، ويأتي هذا التأكيد في وقت بلغ فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ذروته، ليكون الأشد دموية وقسوة إذا ما نظرنا إلى نسبة الشهداء والجرحى من المدنيين العزل، ناهيك عن استهداف المنظومات الصحية من خلال الاستخدام المفرط لقوة النيران، وتدمير أغلب البنى الأساسية للقطاع، والتي تركت آثاراً واضحة لا تخطئها عين، مخلفة وراءها ركاماً، وأجساداً محروقة، في نموذج فريد من الوحشية الطاغية، وإدارة الظهر للعهود والمواثيق، وأذن صماء لمطالب حكومات وشعوب العالم الحر، وتجاهل تام لمطالب المجتمع الدولي للوقف الفوري لهذا العدوان ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام باحترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والمسارعة إلى فتح المعابر لوصول المساعدات الإنسانية، والمواد الغذائية الأساسية، وجاء موقف دولة قطر من هذا العدوان واضحاً وثابتاً، متناسباً مع المبادئ التي انتهجتها في نظرتها للشؤون الإقليمية والدولية، وامتداداً لسعيها الدائم لدعم جهود السلام العالمي، وما من شأنه إحلال الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وانطلاقاً من ضرورة احترام القانون الدولي، وتأكيداً على عدالة القضية الفلسطينية، ومطالب الشعب الفلسطيني المشروعة الغير قابلة للتجزئة، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات مجلس الأمن، وما تلاها من مبادرات عربية، وتأييد لحل إقامة الدولتين.

لقد أكدت دولة قطر مراراً على موقفها الواضح تجاه القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، ونددت في كل محفل باستمرار بسياسة الاستيطان، ومظاهر التضييق والاستفزاز الذي تمارسه إسرائيل، وانتهاكها لحرمة الأماكن المقدسة، والتنكيل بالمدنيين من النساء والأطفال، الأمر الذي لم يكن يوماً ليخدم مسار السلام الذي تسعى إليه شعوب المنطقة، كما يؤكد الخطاب الرسمي القطري باستمرار على أهمية احترام إسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال لبنود القانون الدولي، ويحذر من أن تهاون المجتمع الدولي في القيام بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني قد يؤدي إلى تزايد حدة العنف، واندلاع صراع إقليمي، مطالباً بضرورة وقف الاعتداءات المتكررة، ومؤكداً على موقف دولة قطر المؤيد لنضال الشعب الفلسطيني، وسعيه إلى وقف العدوان، والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون والتعايش السلمي، واحترام الجوار، مراعاة للحقوق، باعتبار أن خيار السلام منطلقه الثبات على المواقف لا التهاون والضعف.

وجاء خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر إبان القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية والتي عقدت في الرياض تأكيداً لموقف قطر الداعم لصمود وحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، مع مواصلة الشراكة مع المجتمع الدولي والجهود الإقليمية لتقديم العون الإنساني، والمطالبة بفتح المعابر لإيصال المساعدات للمتضررين والمنكوبين، دون شروط أو عوائق، هذا بالإضافة إلى دور الوساطة التي تقوم به دولة قطر للوصول إلى حل يمنع توسع دائرة الصراع.

ويأتي تعاطي دولة قطر مع الأحداث التي تعصف بالمنطقة من منطلق مسؤولية مجتمعية، ووجه إنساني صرف، ماضية من خلال سياسة واقعية متزنة في دعم كافة الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، لخفض التصعيد، وحقن الدماء، وحماية المدنيين، وتبني جهود الوساطة بين أطراف النزاع، والدعوة إلى هدنة إنسانية لإطلاق سراح الرهائن، لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة، وتجنيب المنطقة الانزلاق في دائرة صراع أوسع، الأمر الذي ستدفع ثمنه شعوب المنطقة والتي بدورها أنهكتها الصراعات والأزمات المتكررة.

إن الثبات على المبادئ والقيم، والتوجه الإنساني للسياسة الخارجية لدولة قطر أصبحا علامتين فارقتين معروفتين لدى شعوب العالم، وتعكسان سياسة تنموية محددة الأهداف، تحقق بها استدامة للتنمية البشرية في مجالات التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي، حيث تصل مساهمات دولة قطر في المشاريع التنموية إلى أكثر من 100 دولة، وهو شكل من أشكال التعاون الدولي، لتكون به جسراً للتواصل والتضامن مع دول وشعوب العالم، ولتكون دولة قطر شريكاً فاعلاً في المجتمع الدولي، تمد يد العون في نموذج فريد، وصورة لواجب أخلاقي وإنساني كسبت بها احترام دول وشعوب العالم المتطلع إلى مزيد من الحرية والأمن والرخاء.

سعيد البيماني – كاتب عماني – الشرق القطرية
20231228 1703718967 892