دفتر مساخات الفترة الأنتقالية
يعلم متابعي هذه الصفحة أنني منذ 2013/2014 كتبت بشكل مستمر عن التضخم المفرط الذي اجتاح السودان. ولقد بذلت قصارى جهدي لتوضيح أنه يرجع بشكل شبه كامل إلى سياسات الإنفاق غير المسؤولة التي انتهجتها الحكومة وإساءة استخدامها لسلطتها في طباعة النقود لإرضاء نفسها وعملائها على حساب جميع طبقات المجتمع السوداني – بما في ذلك البرجوازية التي نحب.
وأهم سبب أثار حفيظتي ضد الحكومة الانتقالية هو استمرارها على نفس السياسات النقدية والمالية لنظام البشير السابق ومضاعفة معدلات التضخم – أكثر مما أتي به البشير – من خلال سياسات الإنفاق التي افتقرت إلى الحكمة وهدفت إلى إرضاء الجنجويد والجنرالات والميليشيات بطبع النقود للصرف علي تطفلهم علي مال الشعب.
وفي النهاية قامت والحكومة الانتقالية برفع رواتب القطاع العام بما يقرب من ستة أضعاف دون أي موارد حقيقية للتمويل وهكذا صبت محيط من البترول في نيران التضخم الجامح – كان المقصود من هذه الخطوة إرضاء الموظفين الحكوميين حتى يقبلوا برفع دعم السلع الأساسية وتعويم سعر الصرف وكان في هذا أستكياش لا يليق بحكومة تدعي تمثيل مصالح الشعب.
كما حاولت أن أوضح أن إساءة استخدام ماكينة طباعة النقود ليست جريمة اقتصادية فقط، والأهم من ذلك أنها تهديد وجودي للسودان وبقاءه. لسوء الحظ لم أكن مخطئا.
من غير أختزال، ما لاشك فيه ان الانهيار السياسي والامني الراهن لا يمكن فضله عن طبيعة السياسة الاقتصادية في الفترة الانتقالية كما وضح علي عبد القادر وكما يعي أي متابع جاد لحركة التاريخ واقتصاده السياسي – ولكن هذه قضية ربما اتناولها في المستقبل بعد أن نتجاوز انخفاض سقف الحوار الر اهن.
قال أحد أعظم المفكرين الاقتصاديين المروجي للراسمالية ، الرجل الذي أنقذ النظام الراسمالي من الأنهيار التام أثناء الكساد العظيم، جون ماينارد كينز، في مقال بعنوان “العواقب الاقتصادية للسلام” (1919) :
“كان لينين على حق بالتأكيد. لا توجد وسيلة أدق وأضمن لقلب الأساس الحالي للمجتمع من إفساد العملة. وتشرك هذه العملية جميع القوى الخفية للقانون الاقتصادي في جانب التدمير، وتفعل ذلك بطريقة لا يستطيع رجل واحد من بين مليون تشخيصها.”
لذا، نعم، قلنا ليكم. لكن لسوء الحظ، أراد أنصار الحكومة سماع الأخبار السعيدة فقط، واعتبروا التفكير النقدي الجاد شكلاً من أشكال السلبية وتكسير المقاديف وسوء الأدب وحتي ربما حسد الوزراء علي إحمرار كرفتاتم.
بينما كان السنعبريون يبيعون الوهم وقيل أن الراعي أكثر من يسعي لتطمين القطيع المتجه نحو السلخانة.
ثم حدس ما حدس.
معتصم اقرع