انتقال ساويرس لأبوظبي.. أسباب وتداعيات “هجرة المليارديرات” من مصر
برزت هجرة المليارديرات خارج أوطانهم إلى دول أخرى للواجهة مجددا، في ظل الحديث عن نية أغنى رجل في مصر، الملياردير ورجل الأعمال، ناصف ساويرس، نقل أعماله إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي.
ويعتزم ناصف ساويرس، نقل مقر مجموعة NNS إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، إذ قالت وكالة “بلومبرغ” إن المجموعة قد تنقل المقر إلى سوق أبوظبي العالمي، بعد الحصول على موافقة الجهات التنظيمية، بهدف الحصول على حصص كبيرة في عدد كبير من الشركات، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية.
ويرى خبريان تحدث معهما موقع “الحرة” أن الحوافز والامتيازات الاقتصادية والإعفاءات الضريبية، التي تقدم لرجال الأعمال والمستثمرين في الخارج تدفعهم نحو المغادرة، ما يؤدي إلى انعكاسات وتداعيات سلبية على الاقتصادات الوطنية.
وأوضحت الوكالة أن انتقال ناصف ساويرس يضاف إلى مجموعة من المستثمرين البارزين الذين أسسوا استثمارات وأعمال، ويأتي في إطار “هجرة المليارديرات إلى أبوظبي”، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن أسباب هذا القرار وانعكاساته على الاقتصاد المصري.
ويعد ناصف ساويرس أغنى رجل في مصر، حيث تبلغ ثروته الصافية حوالي 7.6 مليار دولار، وفقا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات. وقد استثمر في شركة “أديداس” الألمانية لصناعة السلع الرياضية وكذلك في نادي كرة القدم الإنكليزي “أستون فيلا”.
وأشارت بلومبرغ إلى أن صناديق الثروة في أبوظبي تبلغ أكثر من تريليون دولار، وقد قامت شركة تصنيع الكيماويات الهولندية OCI NV، التي يرأسها ناصف ساويرس، بإدراج مشروعها المشترك للأسمدة مع شركة أبوظبي الوطنية للبترول (أدنوك) في أواخر عام 2021.
ويأتي هذا الانتقال في وقت تسعى فيه الإمارات لجذب عمالقة الاستثمار، مثل الملياردير الأميركي، راي داليو، والملياردير البريطاني، آلان هوارد، لتأسيس مكاتب في العاصمة.
ويذكر أن انتقال مقر مجموعة ناصف ساويرس لم يتم من مصر إلى أبوظبي فقط، نظرا لأن العائلة نقلت معظم شركاتها خارج مصر منذ أكثر من 10 سنوات، وقد واجهت قضايا تهرب ضريبي تمت تسويتها، وفقا لفرانس برس.
وعن دوافع قرار ناصف ساويرس نقل مقر مجموعته إلى أبوظبي، يرى الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، أنه يرجع لأسباب اقتصادية بحتة.
ويقول عبد المطلب في حديثه لموقع “الحرة” إن “ما حدث هو تأكيد للنظرية الاقتصادية، التي مفادها أن رأس المال يبحث عن الأرباح، والدول تحاول أن تقدم حوافز جاذبة للاستثمار”.
وتشمل الحوافز عادة إعفاءات ضريبية وامتيازات أخرى، ويضيف عبد المطلب “في اعتقادي أن آل ساويرس وجدوا أن الحوافز المقدمة لهم بعيدا عن مصر هي أفضل وتحقق مزيدا من الأرباح لهم”.
وقال ناصف ساويرس، وهو شقيق رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، في بيان نشرته بلومبرغ: “يسعدني أن أعلن عن التزامنا طويل الأمد تجاه الإمارات وسوق أبوظبي العالمي على وجه الخصوص. إن أهمية الإمارات بالنسبة للنظام المالي العالمي تجعل المجموعة تعتقد أن نقل أنشطتها الرئيسية إلى أبوظبي سيساهم في مواصلة تطوير ونمو محفظتها وأنشطتها الأساسية”.
وسيظل ساويرس رئيسا تنفيذيا لمجموعة NNS بعد إعادة النقل، وفقا للوكالة.
بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، أن الانتقال ليس بالأمر الجديد، وهو أمر طبيعي من ناحية اقتصادية.
ويقول في حديثه لموقع “الحرة” إن “ناصف ساويرس يتحدث منذ فترة عن إخراج استثماراته، وهذا ليس بالأمر الجديد، وليس كل الأسرة (ناصف وسميح ونجيب) اتجهت نفس الاتجاه، وشقيقه الملياردير نجيب ساويرس، ما زال مقيما في مصر، وجانب كبير من أعماله فيها”.
ولفت نافع إلى أن الانتقال يأتي في إطار “تنويع محافظ الاستثمار في الخارج، وهذا أمر منطقي جدا بالنسبة لأي رجل أعمال، وهو شيء متوقع”، مشيرا إلى أن بعض المشاكل في الاقتصاد المصري قد تكون سرعت في الانتقال، مثل “التضخم وصعوبات تتعلق بالعملة الصعبة، وتفاقم المديونية والدين الخارجي”.
وأشار نافع إلى أن “تدفقات رؤوس الأموال تتحرك وفق مبدأ الربح والخسارة”.
من جانبه أكد عبد المطلب، أن “رجال الأعمال الأغنياء عادة، يحملون أكثر من جنسية، ومن هنا هم ينظرون إلى نقل أموالهم وشركاتهم إلى حيث يتحقق ربحهم (…) والولاء للربح والعائلة”.
وأضاف أن “نقل النشاط نفسه لا يعني توقف أعمال أو استثمارات آل ساويرس في مصر، بل يكون من أجل الحصول على امتيازات وحوافز وتحقيق مزيد من الأرباح”.
وفي يناير 2013، قرر الملياردير، ناصف ساويرس، مؤسس “أوراسكوم للإنشاء والصناعة”، إحدى كبرى شركات التشييد والأسمدة في العالم، إنهاء الوجود القانوني لشركته في مصر، بينما باع شقيقه نجيب أسهم معظم شركاته في مصر، واحتفظ شقيقهما الثالث بموطئ قدم في الخارج من خلال شركة أسسها في سويسرا.
وأعلنت شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة (أو سي آي) في بيان حينها أنها “تلقت عرضا من شركة أو سي آي أن الهولندية لمبادلة كل أسهم أوراسكوم المصرية بأسهم في الشركة الهولندية”.
وقال خبراء مصريون في سوق المال لفرانس برس حينها إن 73 في المئة من أسهم أوراسكوم المصرية متداولة في بورصة لندن من بينها 55 في المئة يمتلكها، ناصف ساويرس، و5 في المئة تمتلكها مجموعة أبراج الإماراتية، فيما كان يتم تداول 27 في المئة من أسهم الشركة في البورصة المصرية.
وأسرة ساويرس المصرية القبطية واحدة من أكثر الأسر ثراء في مصر وأفريقيا، وفقا لفرانس برس.
وفي يناير 2013، احتل ناصف المرتبة الرابعة في قائمة أغنى الأفارقة وفقا لمجلة فوربس التي قدرت ثروته حينها بـ 5,5 مليار دولار.
وحل شقيقه نجيب الذي يستثمر في الاتصالات في المرتبة التاسعة من القائمة نفسها في ذلك الوقت. أما شقيقهما الثالث الذي يعمل في مجال السياحة فقدرت فوربس ثروته حينها بما يزيد على نصف مليار دولار.
وأكد ناصف ساويرس في يناير 2013 أنه “لن ينتج عن الصفقة (مع الشركة الهولندية) أي تغييرات في سير الأعمال الاعتيادية في مصر كما يستمر مقر المجموعة في القاهرة في إدارة أنشطة شمال أفريقيا والشرق الأوسط”.
غير أن خبراء مصريين قالوا لفرانس برس إن ناصف ساويرس يسعى من خلال هذه الصفقة أساسا إلى إخراج مجموعته من مصر حتى لو واصل العمل فيها كشركة أجنبية.
ورأوا أن قراره آنذاك يرجع إلى الخوف من تضييق على استثماراته من قبل السلطة السياسية، التي حكمت البلاد حينها، بعد تولي الرئيس الراحل، محمد مرسي، الرئاسة في يونيو 2012.
وقال الخبير في سوق المال المصرية، عيسى فتحي، لوكالة فرانس برس، في يناير 2013 “من الواضح أن، ناصف ساويرس، قرر الخروج من مصر خوفا من التضييق على أعماله ومحاولة فرض التزامات ضريبية جديدة عليه”.
وأيد، شيرين القاضي، وهو خبير آخر في الاقتصاد وأسواق المال هذا الرأي، مؤكدا أن، ناصف ساويرس، “خرج خوفا من فرض ضرائب جديدة عليه”.
وكان الرئيس الراحل مرسي اتهم في خطاب ألقاه في أكتوبر 2012 شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة من دون أن يسمها بالتهرب من الضرائب، معتبرا أن صفقة بيع نشاط صناعة الإسمنت فى شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة فى 2008 تمت بطريقة خالفت القانون وأدت إلى التهرب من الضرائب.
واعتبر فتحي حينها أن خروج شركة، ناصف ساويرس، سينعكس سلبا على الاقتصاد المصري، نظرا لأن “خزانة الدولة ستفقد عشرات الملايين من الدولارات سنويا، وهي قيمة الضرائب التي كانت تدفعها الشركة”.
لكن الأهم من وجهة نظر فتحي هو أن (الخروج) “مؤشر سلبي على مناخ الاستثمار في مصر” بينما تحاول الحكومة جذب الاستثمارات لاعادة إطلاق النمو وإعادة بناء الاحتياطي النقدي للبلاد.
وكان، نجيب ساويرس، شقيق ناصف الأصغر، باع معظم أسهمه في شركة أوراسكوم تليكوم إلى المجموعة الروسية “فيمبلدون” في 2010.
وفي 2012 أعلن أنه توصل إلى اتفاق مع شركة “فرانس تيليكوم” الفرنسية لبيعها معظم أسهمه في شركة “موبينيل” لخدمات الهواتف المحمولة التي لم يعد يحتفظ بأكثر من خمسة في المئة منها، وإن كان لا يزال يمتلك شركة “لينك” لخدمات الإنترنت، وفقا لما ذكرته فرانس برس في يناير 2013.
وفي ديسمبر 2012، باع ساويرس شبكة تلفزيون “أون تي في” التي كان أسسها قبل سنوات في مصر إلى رجل الأعمال الفرنسي التونسي، طارق بن عمار.
وشنت حملة عنيفة من قبل إسلاميين على، نجيب ساويرس، مطلع 2012 متهمينه بالإساءة إلى الإسلام، بعد أن نشر على حسابه على أكس (تويتر سابقا) رسما كاريكاتوريا لميني ماوس وهي ترتدي النقاب.
وقد قدم بعد ذلك اعتذارا علنيا مؤكدا أنه كان يمزح ولم يكن يقصد المساس بمشاعر أي مسلم.
أما الشقيق الثالث، سميح ساويرس، فاحتفظ بشركته “انترناشيونال هوتل هولدنغ” (آي أتش أتش) في مصر وإن كان لديه موطئ قدم في الخارج أيضا، إذ أسس شركة للتنمية السياحية في سويسرا عام 2010، ، وفقا لما ذكرته فرانس برس في يناير 2013.
ونقل آل ساويرس إقامة أسرهم خارج مصر بعد بضعة أشهر من قيام الثورة التي أطاحت، بالرئيس الراحل، حسني مبارك، في 2011، وفق مصادر مقربة من العائلة.
وأعلنت شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، في أبريل 2013، “توصلها لتسوية نهائية مع مصلحة الضرائب المصرية بسداد مبلغ 7,1 مليار جنيه في قضية تهربها الضريبي عن بيعها مصانع الإسمنت التابعة لها عام 2008 لصالح شركة لافارج الفرنسية بقيمة 71 مليار جنيه”.
وقالت الشركة إن “التسوية أنهت النزاع الضريبي من عام 2007 وحتى عام 2010”.
وكان النائب العام المصري أصدر قرارا في مارس 2013 بوضع رجلي الأعمال، أنسي نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة شركة أوراسكوم للإنشاءت والصناعة، وناصف أنسي نجيب ساويرس (ابنه)، المدير التنفيذي للشركة على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول.
وجاء قرار النائب العام حينها في ضوء الطلب المقدم للنيابة العامة من وزير المالية لتحريك الدعوى الجنائية قبلهما والتحقيق معهما في ما هو منسوب إليهما من التهرب من أداء ضرائب مستحقة عليهما تقدر بنحو 14 مليار جنيه.
وأشار الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إلى أن هناك انعكاسات سلبية للانتقال على الاقتصاد الوطني، وقال إن “خروج الاستثمارات المحلية يضعف من قوة جذب الاستثمار الأجنبي”.
من جهته يعتقد الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، أن خروج الاستثمارات المحلية من مصر “تزيد الطين بلة”، وتنعكس سلبا على الاقتصاد، خاصة في ظل أوضاع جيوسياسية غير مستقرة وعوامل طرد أخرى”.
وأضاف: “عادة تكون لـ”هجرة رؤوس الأموال تداعيات سلبية”، خاصة في ظل “الحاجة إلى جذب استثمارات أجنبية”.
وتزداد المؤشرات السلبية بشأن أزمة مصر الاقتصادية، خاصة أن العملة المحلية في أسوأ حالاتها، بحسب تحليل نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” قالت فيه إن “تدهور الوضع الاقتصادي في مصر بدأ عندما دخلت القاهرة في موجة إنفاق كبير”.
وأضاف التحليل: “اقترضت مصر الأموال للإنفاق المسرف على الأسلحة والمشاريع العملاقة والبنية التحتية. وما عمق المشكلة، توسع دور الجيش في الاقتصاد بشكل كبير، مما أدى إلى خنق القطاع الخاص وتثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر”.
يقول كاتب التحليل، ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنه منذ انتخاب الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في 2014، تضاعف الدين الخارجي للدولة بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى نحو 160 مليار دولار. وهذا العام، سيتم تخصيص 45 في المئة من ميزانية مصر لدفع الدين الوطني.
أما التضخم فيصل إلى نسبة 30 في المئة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال عام 2022 بأكثر من 60 في المئة.
ويشير التحليل إلى أن التدهور “ليس خطأ السيسي وحده”، إذ زادت جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا من الضغط على الاقتصاد المصري، فتراجعت مساهمة السياحة بـ12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت أسعار السلع الأساسية وفي مقدمتها القمح.
ورغم أن السعودية والإمارات قدمتا 22 مليار دولار العام الماضي كاستثمارات وودائع للبنك المركزي المصري لتغطية العجز الحكومي المتكرر وتحقيق الاستقرار في الوضع المالي في القاهرة، إلا أن ذلك فشل في وقف الأزمة.
وفي ديسمبر الماضي، وقعت مصر اتفاقا مع البنك الدولي، والتزمت بتعويم العملة والحد من دور الجيش في الاقتصاد. وتم تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50 في المئة.
ويقول المحلل السياسي المصري، علي رجب، إن مصر تواجه أزمة، “لكنها متراكمة منذ عقود”، بحسب حديث سابق له لموقع “الحرة”.
وعن دور الجيش المصري في الاقتصاد، يشير رجب إلى أنه تم الإعلان مؤخرا عن طرح شركات تابعة للقوات المسلحة في البورصة وهي خطوة تؤكد على حسن نوايا الدولة المصرية تجاه دعم المستثمرين.
ومع ذلك، فإنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مصر وضعا مماثلا، بحسب رجب، الذي يقول إن مصر عاشت نفس الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت آنذلك خارجة من حرب 73 وفي أسوء حالاتها، لكنها تخطت الأزمة، بحسب تعبيره.
ويقر رجب بأن الكثافة السكانية و”وجود عدد من القادمين من بلدان تشهد حروبا مثل سوريا واليمن” يزيد الضغط على الموازنة المصرية، ويضاف ذلك إلى انعكاسات الحرب في أوكرانيا على اقتصاد مصر.
أحمد عقل – الحرة