المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (41) لندن (4)
السفير عبد الله الأزرق يكتب:
المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (41)
لندن (4)
في بداية عملي في لندن، كتبت القارديان The Guardian في 17 ديسمبر 2010 أن البشير حوّل سراً (siphoned) مبلغ 9 مليار دولار لحسابه في بعض المصارف، ومن بينها بنك لويدز LIoyds Bank في لندن.
وقالت: إن لويس أوكامبو، مدعي المحكمة الجنائية الدولية ICC هو مصدر المعلومة.
وأضافت: أن أوكامبو حث الحكومة الأمريكية على ما سماه: “فضح لصوصية البشير”؛ لأن هذا كفيل بالقضاء على الشعبية التي يتمتع بها البشير في ذلك الوقت، وجعل السودانيين ينقلبون عليه؛ وجعل الرأي العام السوداني يتحول من نظرته له كمناضل Crusader إلى سارق، وفقاً لما قاله أوكامبو:
”. change Sudanese public opinion from him being a ‘crusader’ to that of a thief.”
ورد دكتور خالد المبارك، المستشار الإعلامي للسفارة، على تلك الفرية رداً قوياً، وصفها فيه بأنها: “إثبات آخر على الأجندة السياسية للمحكمة الجنائية الدولية في تشويه سمعة الحكومة السودانية”.
” further evidence of the ICC’s political agenda in discrediting the Sudanese government”.
وقال: إن الادعاء أن الرئيس يسيطر على خزانة الدولة ويأخذ منها مالاً يضعه في حسابه الخاص لأمر مثير للسخرية.. وإنه لادعاء مثير للضحك من قبل مدعي المحكمة الجنائية الدولية.
ووصف دكتور خالد أوكامبو بأنه: “مارق، يغرد خارج السرب، وأن ما صدر عنه إنما هو جزء من أجندته السياسية؛ وقد فشل بصورة تثير الشفقة في كل قضاياه، ورفض أن يحقق في ما جرى في العراق وفي غزة. وأنه استهدف البشير لاحتياجه لقصة نجاح، وليزيد من أهميته.. وإن كل هذه المحاولات لتشويه ليس فقط صورة البشير وإنما السودان كله، إنما هي محاولات معروفة جيداً؛ وهي مرتبطة بشكل واضح بالمشاعر المناهضة للعرب وبالإسلاموفوبيا.
”To claim that the president can control the treasury and take money to put into his own accounts is ludicrous – it is a laughable claim by the ICC prosecutor,” said Dr Khalid al-Mubarak, government spokesperson at the Sudanese embassy in London. “Ocampo is a maverick, and this is just part of his political agenda. He has failed miserably in all his cases and has refused to investigate Iraq or Gaza – he needs success and he has targeted Bashir to increase his own importance.”
”Attempts to smear not only Bashir but Sudan as a whole are well known, and are clearly linked with anti-Arab sentiments and Islamophobia”
كان دكتور خالد المبارك شديد الإخلاص في دفاعه عن البشير وحكومته.
مما يجدر ذكره أن بنك لويدز نفى أن البشير أودع أموالاً لديه، مما أجهض الفرية تماماً.
وربما أن المعارضة كانت وراء تلك الفِرْيَة . وكنا نعرف أن كبار المعارضين السودانيين لهم علاقات شتى . ولهم صلة مباشرة بجهاز المخابرات البريطاني.
أفادني أحد أبناء جبال النوبة أن خاله الذي يكتب تقارير للمخابرات البريطانية قال له: إن المخابرات لديها مصادر عديدة، وإنها تعرف عبرهم الكثير عن السودان، بدليل أنه كثيراً ما يقولون له: إن ما كتبته في تقريرك وصلنا ولدينا به علم.
وكان هؤلاء المعارضون يستغلون ويبتزون من ساعدوهم على اللجوء.
فلم يكن في وسع هؤلاء – مثلاً – أن يتأخروا عن المشاركة في مظاهرة، وإلاّ أُخضعوا للوعيد والتهديد.
وما كان المعارضون منظمين منضبطين في أوقات حضورهم للمظاهرة.
فقد كان البوليس البريطاني يرسل لنا تاريخ المظاهرة، ويفيد أنها ستبدأ الساعة الواحدة بعد الظهر.. ويحضر البوليس أمام السفارة قبل ذلك بنحو ربع ساعة.. ولكن المعارضين لا يتجمعون إلاّ قُرابة الثالثة.
وبالفعل كنا نحس بالخجل والحرج أمام الشرطة البريطانية؛ لأن المتظاهرين سودانيون، رغم أن المظاهرة ستجري أمام السفارة.
كان بعض المتظاهرين يصلّون معنا الجمعة في الغرفة التي جعلناها مسجداً في قبو السفارة، إذا صادفت مظاهرتهم الجمعة.. وبعد الصلاة يخرجون لمظاهرتهم ليهتفوا ضد: “كلاب الأمن”، الذين صلّوا معهم قبل قليل!!! وكان من بين من يهتف ضد من صنوفهم ” كلاب الأمن ” بالسفارة ، معارضاً كان إدارياً بالسفارة قبل أن يطلب اللجوء ، وهو يعرف كل العاملين بها ، ووظفت أنا ابنته المؤهلة في وظيفة محلية. لكننا نعرف أنه لم يعد يملك زمام أمره . وكانت ابنته جِدّ محرجة من تصرف أبيها ؛ وقالت لي ذلك بتهذيب وكان الألم يملأها ، فأحزنتني .
وكنا نعرف الشيوعيين المشاركين في المظاهرة بالطريقة الهستيرية التي يهتفون بها.
أما إذا رأوا السفير خارج السفارة ليستقل سيارته فيجن جنونهم، كأن بينهم وبينه ثأراً شخصياً؛ فتهتف فتياتهم: “عبد الله الأزرق يومك أسود”!!! وما دروا أنني:
ألقى بصبري جسام الحادثات ولي
عزمٌ أصد به ما قد يلاقيني
ولا أتوقُ لحالٍ لا تلائمها
حالي، ولا منزل اللذات يلهيني.
وما كُنّا نؤاخذهم لتجاوزاتهم في حق العاملين بالسفارة..
ولا غمطنا حقهم في الاحتجاج على ما يرونه تجاوزات من قبل الحكومة ، بأي إجراءات . اللهم إلّا معارضاً واحداً احتجزت السفارة جوازه لبضعة أسابيع؛ ولا أذكر الآن سبب ذلك الاحتجاز.
من القصص المؤلمة التي عايشتها أنّ سيدة سودانية جاءتنا ومعها طفليها؛ وأفادت أنها وصلت بريطانيا طالبة للجوء قبل حوالي ستة أشهر، وأن السلطات البريطانية وضعتها في نُزُل للاجئين.
واشتكت أن النزل مكتظ، وأنها تقيم في غرفة صغيرة جداً مع طفليها.
واشتكت من أن الحمامات جماعية؛ وكذلك قاعة الطعام.
وقالت: إنها لم تستطع استساغة الطعام الذي تفوح رائحة “زفارته”.
وقالت: إنها تخاف من النزلاء، وتخشى على نفسها وأطفالها منهم؛ ولذا فهي لا تكاد تنوم.
وطلبت من السفارة ترحيلها.
ولدى سؤالها عن زوجها وعائلتها، قالت: إنها من الخرطوم، وإن زوجها يعمل مهندساً في شركة نفط أجنبية بالسودان، وكانت فكرته من لجوئها أن يجد أبناؤهم تعليماً جيداً ببريطانيا. وقالت: إن زوجها معترض على رجوعها للسودان، وهددها بالطلاق إن هي عادت!!
أسكنا السيدة وطفليها بأحد الفنادق.
وفي اليوم التالي جاءت مطالبة بالترحيل للسودان وبإصرار أشد.
ولم يكن أمامنا من سبيل سوى الاستجابة لإلحاحها، فجهزناها ورحلناها للسودان.
بعض القادة من المعارضين ينشئون منظمات تدعي أنها تُعنى بشؤون المرأة أو الطفل أو حماية حقوق الإنسان. وتكون تلك المنظمات وسيلة ارتزاق إضافي.
وفاحت روائح فساد كريهة من بعضها.
وكان أكثرها سوء سمعة “المنظمة السودانية لضحايا التعذيب”، التي كان قد أنشأها المهندس هاشم محمد أحمد وعبد الباقي الريح المحامي ودكتور خالد المبارك في منزل الأخير بكامبردج عام 1993، قبل أن يوالي الإنقاذ ويعمل لها.
ثم انضم لها مرتضى الغالي وفيصل الباقر وآخرون.
وكان لدى المنظمة 5 مليون دولار أول عهدها.
لكن مرتضى الغالي وفيصل الباقر أكلوا منها 708 ألف دولار.
وطاردهم الاتحاد الأوروبي لإرجاع الأموال التي اختلسوها، لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا..
ويقول دكتور صلاح البندر: إن قضيتهم لا تزال مفتوحة في بروكسل.
بالطبع لم يكن سجل حقوق الإنسان مثالياً خاصة في العهد الأول للإنقاذ.. ولكن تلك المنظمات كانت تميل إلى المبالغات والتضخيم عبر تقاريرها ليتواصل مدد الممولين، ويرتزق القائمون على أمورها.
يعيش المعارضون على الدعم الاجتماعي الذي توفره الحكومة البريطانية .
وكان اللاجئون الاقتصاديون يقطعون صلتهم بالمعارضين السياسيين يوم يحصلون على الجواز.
وكان هؤلاء يحضرون للسفارة بعد حصولهم على الجواز للبراءة من المعارضة.
السفير عبد الله الأزرق