رأي ومقالات

سناء حمد: سنعود

اخترت ركناً قصيّاً ..أفكر فيه ، سيطرت على تفكيري الخرطوم ، هذه المدينة التي اعشق ..درة النيل ..و هذا النهر فيها مختلف ..اعتدت منذ صغري الجلوس عند شاطئه والحديث معه !! أساله ان يقُص عليّ كم شهد من احداث وكم كان بداية الحياة لبعض البشر وكم انتهت بين مياهه حياة ، كم من العمران شهد وكم من الخراب ، كم معتدٍ سعى لجواره غصباً لكن هذه الأرض لفظته ! وكم من غريب قصد جواره حباً وخوفاً فأمّنه وطمأنه .

إني افتقد رؤية هذا النهر الشاهد والمعلم ، افتقد شوارع الخرطوم والبيوت ، افتقد صخبها وأصوات الأبواق والباعة المتجولين ..الشوارع الحية بالوناسة والقصص وحلقات الشباب والكهول تحت أعمدة الاضاءة في الاحياء ، وهم منهمكون في لعب الورق ( الكوتشينة) وصياح لاعبي الضمنة ! بكيت ..وانا أفكّر هل سأموت قبل ان أراها ؟ تذكرت بيتنا بيت امي وبيوت اجدادي وقصص طفولتي وقصص امي وخالاتي وعماتي وأخوالي وأعمامي ..في أزقتها وأسواقها ومناسباتها !!

بكيت وانا أخشى إلا أرها ..وانا افتقدها ..ثم رن هاتفي رنة ، وصلت رسالة ، فتحتها فوجدت هذا الفيديو .. تأملته ، فاستحييت من الله ..

خجلت من هذا الجزع والقلق على امر هو بيده .. استحييت من الجزع الذي انساني كل المنح الربانية بما فيها المنح طي هذه النكبة ! ومن اهم المنح ان هذه المدينة الأبيّة ..منحتني إقداماً ثابتة وجذور راسخة ..ولن يقطع هذه الصلة احد ..هذه المدينة تسكننا ولا نسكنها ،

هي في القلب..وسنعود قريباً ..لمعركة البناء والعمران ..تحت بصر نهران يحرسانها ويرعيان ملتقى موسى والخضر عليهما السلام ..هي مرقد عشرات الصالحين ودار العشرات من الشعث الغبر ..سنعود بإذن واحد أحد ..ستعود ..

سناء حمد