رسالة إلى قادة الإدارة الأهلية (1)
مقدمة تمهبدية :
الإدارة الأهلية هي نمط من أنماط الإدارة المحلية التي تعنى بإدارة شئون القبائل و حفظ الأمن و فض النزاعات و ترسيخ الإستقرار و السلام الإجتماعي ، و عرفت في السودان منذ عهود السلطنات و الممالك القديمة التي حكمت البلاد ، ثم تطورت في عهد الحكم التركي و الحكم الثنائي و أصبحت جزء من الآليات التي تساعد في تنفيذ سياسات الدولة . و قد تم تعيين بعض زعمائها أعضاء في المجلس الإستشاري لشمال السودان الذي كونته سلطات الإحتلال في العام 1910 ليكون بمثابة برلمان صوري يقوم بتمرير الخطط و المشروعات التي يحيلها إليه الحاكم العام .
إستمرت الإدارة الأهلية في أداء دورها في العهود الوطنية بعد الإستقلال إلى أن تم إلغاءها في عهد الرئيس جعفر نميري بإيعاز من شركائه في الحكم ( الشيوعيين) الذين كانوا يعتبرونها نوع من الرجعية التي تعني إستمرار الحقبة الإستعمارية و تكرس سيطرة الطائفية و البيوتات ، و تمت الإستعاضة عنها بقانون الحكم الشعبي المحلي الذي صدر في العام 1971 .
و قد حاول نظام مايو في سنواته الأخيرة إعادة الإدارة الأهلية و لكن العودة الحقيقية كانت في فترة الديمقراطية الثالثة التي تلت سقوط نظام النميري .
ظلت الإدارة الأهلية فاعلة و مؤثرة في أجزاء واسعة من البلاد بينما تقلصت أدوارها بصورة كبيرة في شمال و وسط السودان و في العاصمة و المدن بسبب إنتشار التعليم و الوجود الفاعل لمؤسسات الدولة .
للإدارة الأهلية تقاليد راسخة و موروثات تمثل المرجعيات و تعتبر بمثابة (القانون العرفي) الذي ينظم العلاقات و يعالج القضايا و يفض النزاعات التي تقع بين بطون القبيلة الواحدة أو بينها و القبائل الأخرى .
و قد ظل قادة الإدارة الأهلية يمثلون مستودع الحكمة و الخبرة الموروثة و كثيراً ما ينجحون في معالجة أصعب القضايا و أكثرها تعقيداً و يقومون كذلك بأدوار كبيرة في فض النزاعات و ترسيخ السلم الإجتماعي .
للأسف فإن عودة الإدارة الأهلية في حقبة الديمقراطية الثالثة جعل القبائل و إداراتها عرضة للإستقطاب الحاد بين الحزبين التاريخيين المتنافسين (الأمة و الإتحادي) خاصة في دارفور و بعض أجزاء كردفان حتى وصل الأمر إلى أن يقوم كل حزب بتسليح القبائل الموالية له !! و قد شهد العامان 1987 و 1988 أكبر عمليات تسليح لهذه القبائل الأمر الذي أدى إلى نشوب صراعات و اقتتال مدمر بينها مثل الأرضية الخصبة التي نمت و ترعرعت فيها الصراعات اللاحقة التي ما تزال دارفور تعيش فصولها حتى اليوم.
#كتابات_حاج_ماجد_سوار
19 نوفمبر 2023