أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

مدن دارفور تحت وطأة هجمات الدعم السريع

يشهد إقليم دارفور، غربي السودان، معارك عنيفة ومتواصلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تسبّبت في موجة نزوح كبيرة من المدن والقرى الواقعة داخل نطاق الاشتباكات نحو الحدود التشادية، وسط تحذير منظمات الأمم المتحدة من توسيع دائرة الحرب في الإقليم وتأثيرها المباشر على المدنيين.

ومنذ اندلاع القتال بين الجيش الذي يقوده الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة الفريق محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) في 15 إبريل/نيسان الماضي، قُتل الآلاف، واضطر أكثر من 5.7 ملايين شخص لمغادرة منازلهم، فيما هناك 25 مليوناً، أي أكثر من نصف السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ووسعت قوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية من هجماتها على مدن الجنينة وزالنجي والفاشر بعد سيطرتها على مدينة نيالا، وأعلنت في مقطع فيديو بثته في 4 نوفمبر سيطرتها على قيادة الفرقة 15 مشاة بمدينة الجنينة. وقالت على حسابها بموقع “إكس” (تويتر سابقاً) إنها “حررت الفرقة 15 وحسمت الفلول والانقلابيين غربي دارفور”.

وتستمر هذه المعارك بالتزامن مع محادثات بين الجيش والدعم السريع في مدينة جدة السعودية، وذكر الميسرون للمحادثات (السعودية، والولايات المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” مع الاتحاد الأفريقي) في بيان في 29 أكتوبر إن المحادثات لن تتناول قضايا ذات طبيعة سياسية.

وقال المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، في تصريح في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إن قوات الدعم السريع تعمل على تحشيد “المرتزقة ومعتادي الإجرام”، وأشار إلى أن محاولاتها مهاجمة الحاميات والفرق العسكرية لن تجني منها شيئاً.

وأضاف “سنحافظ على البلاد ونسلمها لمواطنيها قريبا خالية من المليشيات والمتمردين”. ولم يصدر الجيش توضيحاً حول استيلاء الدعم السريع على الفرق 16 في نيالا و15 الجنينة و21 زالنجي.

من جهتها، كشفت كتلة ثوار ولاية غرب دارفور (كيان مجتمعي)، في بيان في 1 نوفمبر الحالي، أن مليشيات “الجنجويد” والدعم السريع تواصل التهجير القسري للمدنيين بولاية غرب دارفور. وقالت إن الدعم السريع والمليشيات المساندة لها تستهدف المواطنين الأبرياء، وليس فقط الفرقة 15 مشاة التابعة للجيش في مدينة الجنينة.

وأشارت إلى أن مجموعة من المدنيين تعرضوا لانتهاكات جسيمة الأسبوع الماضي من قبل الدعم السريع، أثناء سيرهم في الطريق على الأقدام نحو تشاد بحثا عن المأوى والسلامة.

وقالت مصادر محلية في الجنينة لـ”العربي الجديد” إن هناك عمليات نزوح متواصلة منذ يومين من المدينة نحو مدخل منطقة أدري التشادية الحدودية، والمدنيون في ظروف مأساوية جداً”. ومنطقة أدري تضم الآلاف أصلاً من نازحي دارفور نتيجة المعارك السابقة.

كما أن هناك موجة نزوح من معسكري نيفاشا وأبوجا بمدينة الفاشر، غربي دارفور، بسبب تخوفهم من القذائف والاشتباكات المتزايدة، وقد كان هؤلاء النازحون يقطنون أصلاً في معسكرات قرب المدينة.

وجراء توسع المعارك أعلنت حركة التحالف السوداني (مسلحون سابقون موقعون على سلام مع الحكومة) عن مقتل عدد من عناصرها في معركة ضد قوات الدعم السريع، خلال هجومها على قيادة الفرقة 15 بمدينة الجنينة يومي 3 و4 نوفمبر الحالي.

وأكد رئيس التحالف البخاري أحمد في بيان أمس السبت، أن هناك هجوماً متواصلاً من الدعم السريع على ولاية غرب دارفور، متهماً إياها بارتكاب الجرائم وعمليات النهب وسرقة الممتلكات واغتصاب النساء واستهداف مجموعات قبلية بعينها، لتهجيرها من مناطقها.

وكانت نائبة الممثل الخاص للأمين العام في السودان، منسقة الشؤون الإنسانية كليمنتين نكويتا سلامي، قد حذرت من توسيع دائرة المعارك في البلاد، وعبّرت في بيان في 2 نوفمبر الحالي، عن بالغ قلقها إزاء التصعيد العسكري في دارفور وتأثيره على المدنيين.

وقالت المسؤولة الأممية “أشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن المدنيين عالقون في شرك القتال الدائر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في دارفور، في سياق التوترات القبلية المتصاعدة، مما يذكّر بالأحداث التي وقعت في الجنينة في دارفور في يونيو/حزيران الماضي”.

وأشارت إلى تجدد الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في نيالا (جنوب دارفور)، وزالنجي (وسط دارفور)، والفاشر (شمال دارفور)، والجنينة (غرب دارفور)، قائلة إن “المدنيين تأثروا بشدة، حيث شُرّد آلاف الأشخاص، وسقط كثيرون بين قتيل وجريح، ودُمرت ممتلكات المدنيين”.

وأضافت سلامي: “أكرر دعوتي جميع أطراف النزاع في السودان إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي لحماية المدنيين أثناء الأعمال العدائية. أهل دارفور عانوا بما فيه الكفاية… يجب السماح للمدنيين بمغادرة المناطق المتضررة من النزاع بأمان ومن دون عوائق”.

وتابعت: “في الوقت الذي يُعلَّق فيه الكثير من الأمل على محادثات جدة لتحقيق وقف مستدام لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، فإنني أدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن تصعيد النزاع وتوسيع نطاقه. إن الخسائر التي يلحقها هذا الصراع بالمدنيين لا يمكن تصورها. يجب أن يتوقف القتال، ويتعين على أطراف النزاع ضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية إلى ملايين الأشخاص في السودان الذين هم في أمس الحاجة إليها”.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد أوضح أن وضع المدنيين في دارفور يزداد سوءاً يوماً بعد آخر منذ التصعيد العسكري الذي بدأ الأسبوع الماضي، وأن المجتمعات المحلية تتكبد آثار العنف بشكل متزايد.

وخلال مؤتمر صحافي في جنيف أول من أمس الجمعة، قال المتحدث باسم المكتب الأممي، يانس لاركيه، إن تجدد الاشتباكات بين القوات السودانية والدعم السريع في نيالا وزالنجي والفاشر والجنينة أدى إلى مقتل عشرات المدنيين وإصابة عدد كبير منهم، فيما نزح الآلاف وتعرضت ممتلكات مدنية للتدمير أو الضرر.

وأضاف لاركيه: “بينما تم تعليق الكثير من الأمل على محادثات جدة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، فإننا ندعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن تصعيد الصراع وتوسيع نطاقه في هذه اللحظة. لقد عانى سكان دارفور بما فيه الكفاية، خصوصاً النساء، في الماضي وفي الصراع الحالي”.

وأكد لاركيه أنه تم إجبار أكثر من 5.7 ملايين شخص في السودان على النزوح من منازلهم، وشدد على ضرورة وقف القتال وضمان المرور الآمن لمساعدات الإغاثة إلى جميع المحتاجين من قبل أطراف النزاع في السودان.

من جهتها، أعربت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إليزابيث ثروسيل، عن قلق المفوضية البالغ إزاء التقارير التي تفيد باختطاف النساء والفتيات واحتجازهن في “ظروف غير إنسانية ومهينة أشبه بالعبودية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور، حيث زُعم أنه يتم تزويجهن قسراً واحتجازهن للحصول على فدية”.

وأشارت إلى معلومات موثوقة من ناجين وشهود ومصادر أخرى تفيد باختطاف ما لا يقل عن 20 امرأة وفتاة، إلا أن ذلك العدد قد يكون أعلى، وأضافت: “أفادت بعض المصادر برؤية نساء وفتيات مقيدات بالسلاسل في شاحنات صغيرة وفي سيارات”.

وأضافت أنه بحلول 2 نوفمبر الحالي، تلقى المكتب المشترك لحقوق الإنسان في السودان تقارير موثوقة عن أكثر من 50 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالأعمال العدائية، أثرت على ما لا يقل عن 105 ضحية، من بينهم 86 امرأة ورجل واحد و18 طفلاً، ومن بين هذه الحالات “23 حالة تتعلق باغتصاب، و26 حالة اغتصاب جماعي وثلاث محاولة اغتصاب”.

وقال الضابط السابق في المعارضة المسلحة بشرق السودان، المحلل العسكري حسام ذو النون، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنه مع العودة إلى منبر جدة صارت الساحة السودانية تشهد كثيراً من المتغيرات، خصوصاً على الصعيد العسكري وهو أحد محاور أجندة المنبر.

وذكر أن توازن القوة في الخرطوم لم يعد كما كان عند بدء الحرب، وبفعل الخسائر الكبيرة للدعم السريع وبوادر الفشل في تحقيق أي من الأهداف الأساسية أو الثانوية المستجدة، لم تعد القوات المسلحة داخل الخرطوم في موقف المدافع المحاصر، لذا كان لا بد من تغيير في الاستراتيجية العسكرية للدعم السريع.

وأشار ذو النون إلى أنه مع سيطرة الدعم السريع على الولايات في دارفور بصورة مطّردة وسط توقعات بتزايدها، وفي ظل هكذا أوضاع، يدخل المفاوض العسكري لمنبر جدة محاطاً بالألغام من كل جانب، بالتالي فإن أي شكل خاطئ من أشكال المخرجات سيكون له تبعات كارثية، تهدد استقرار السودان وبقاءه كدولة وفق ما كان سائداً قبل 15 إبريل الماضي.

ويقع إقليم دارفور غرب السودان وتبلغ مساحته 493 ألفاً و180 كيلومتراً مربعاً، ولديه حدود برية مع أربع دول هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وينقسم إلى خمس ولايات هي: ولاية شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، ولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، ولاية شرق دارفور وعاصمتها الضعين، وولاية وسط دارفور وعاصمتها زالنجي.

ووقّعت الحكومة الانتقالية السابقة في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، اتفاق سلام مع معظم الحركات المسلحة في مدينة جوبا لجنوب السودان، وعند اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع انحازت بعض هذه الحركات للجيش وشاركته القتال ضد الدعم السريع، لكن الصراع تسبب في تجدد الاشتباكات ذات الطابع القبلي، خصوصا في جنوب وغرب دارفور.

العربي الجديد