حسين خوجلي يكتب: يا سارقاً بلدي
ليست تسعة طويلة وحدها ولا اللصوص الذين تسللوا من تحت جلودنا ومن وراء حدودنا، نعم ليسوا وحدهم ،جميعنا بلا استثناء شارك في سرقة بلادنا مدنيين وعسكريين والأحزاب والعشائر والساسة، وحتى الدهماء والعامة وملح الأرض. سرقنا بأيدينا التاريخ والجغرافيا والثروات والمجموعة القيمية والذكريات وأحرقناها أمام العالم كله ووثقناها حريقاً ورماداً، وساهمنا جميعنا بلا استثناء في سرقة قلم المحجوب الذهبي الذي لم نكتب به برنامجاً للعمل ولا دستوراً للاجماع ولا إسلاماً للهداية ولا سلاماً للتنمية والأمان.
سرقنا جميعنا بلا استثناء وطناً أدرك الأقربون والغرباء قيمته ولم ندركها نحن القاطنين فيه والمتمتعين بثرواته وثوراته ومياهه الزرقاء ونُجيماته البعيدة قال الشاهد:
إن أديبةً شامية كانت معجبة جداً بالوطني المهندس القانوني الرئيس محمد أحمد المحجوب الشهير بالخطابة والشعر والوطنية والأناقة والحضور الزاهي، وتعبيراً عن مشاعر الحب هذه والاعجاب أهدته قلماً ذهبياً ثميناً وكان المحجوب شديد الاحتفاء بالقلم وصاحبة القلم، وكان لا يخرجه إلا في الاجتماعات الجديرة والملمات الخطيرة وحين انفض اجتماع سياسي صاخب لملم الرجل الكبير أوراقه وكانت خيبة أمله عظيمة، حين وجد أن أحدهم قد سرق القلم فبقي في مكانه مذهولاً وساهماً حزيناً ووحيداً، وحين أفاق من هول المصاب طلب من سائقه قلماً وكتب شعراً يعبر عن حالته حينذاك ويعبر عن واقع الراهن السياسي لنخبتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية التي سرقت قلم المحجوب والتي لم تستفيد ولن تستفيد منه. وتبقى أبيات الرجل خالدةً للتأسي والتعازي مطبوعة في قلوب المحاربين والعشاق حيث قال:
ماذا صنعتَ به وكان إذا جرى
نفث البيان الحر غير مقيّد
قلمٌ تحرر من قيودِ زمانه
ومضى طليقاً لا يدينُ لسيِّد
كالحية الرقطاء ينفث سمه
أما غضبتُ على أثيم معتدي
وإذا رضيت فما أرق سطوره
حسناً وأبهاها عقود زمرد
كم غادة خلُدت بسحر بيانه
وغدت تتيه بحسنها في المشهد
صاحبته زمنا فأحسن صحبتي
وودت يبقى لو يقاسمني غدي
يا سارقاً قلمي جهلتَ مكانه
لا يعملُ الصمصامُ إلا في يدي
تُرى هل يسمح لنا نجم ٥٦ المبين أن نستبدل البيت الأخير في ثوبٍ يشابه مأساتنا:
يا سارقاً بلدي جهلتَ مكانها
لا يثمرُ المعطاء إلا في يدي
حسين خوجلي