علي كرتي: الطريق الى الجنة (٧)
– قلنا بان الحوار الامريكي السوداني واجه معضلة مركبة تمثلت اهم تمظهراتها ان موسسات الادارة الامريكية نفسها لا تستطيع الاتساق والاتفاق لا على منطلقاتها للحوار مع الحكومة السودانية ولا على النتايج والالتزامات التي تترتب على جولات الحوار، فالمخابرات الاميركية التي وجدت تعاونا غير محدود من نظيرتها السودانية لم تلتزم قط بالتاثير على الكونغرس الذي يضغط على البيت الابيض في اتجاهات اخرى غير اتجاهات التعاون الاستخباري الذي وجدته المخابرات الاميركية من السودان، والخارجية الامريكية كانت مشغولة بقضايا لا علاقة لها باهتمامات المخابرات او ما قد يجده نايب في الكونغرس في بريده من رسايل ووسائل ضغط تمارسها جماعات ناشطة. ولذلك وجدت الحكومة السودانية نفسها موزعة بين تعاون اجهزتها الامنية وانشغال موسسة علاقاتها الخارجية في الوقت الذي يلهب فيه البيت الابيض والكونغرس ظهرها بسياط الاعمال السيركية التي لا تقف عند مصافحة الرئيس الامريكي لبائعة شاي يتم عرضها بتنميط سخيف كنموذج لنساء دارفور او تركيب مظاهر فرح وسرور وغبطة (مستر بن ) على وجه الرئيس جورج بوش الابن وهو يصافح القايد مني مناوي رييس حركة تحرير السودان في البيت الابيض ولو انك امتحنت جورج بوش بشأن موقع الفاشر في خريطة قوقل لوضع اصبعه على كركوك حيث حقول النفط التي جند الجيش الامريكي لاحتلالها لصالح اعمال اسرته واسرة نائبه ديك تشيني!!
– بمقابل هذا التضارب والتعارض بين ادارات وموسسات الادارة الامريكية فقد كان مطلوبا من الانقاذ ليس فقط الالتزام بالمسؤولية عن كل ما يصدر عن مؤسساتها واداراتها وحسب وانما تحمل المسؤولية عن ماضي علاقتها بالحركة الاسلامية وما يمكن ان ينسب اليها من اعمال ونشاطات وموسسات ومنظمات كانت الحركة طرفا او سببا في تاسيسها او ينشط فيها اسلاميون سودانيون. وفي هذا السياق كان على الانقاذ التعاون في الاحاطة والسيطرة والاتصال بعناصر وموسسات ومنظمات اقليمية ومحلية ودولية والتعاون في مساع امريكية للتحقيق مع واخضاع كوادر وعناصر وقيادات اسلامية في موسسات ومنظمات سودانية وغير سودانية وكان اي تحفظ تبديه الحكومة السودانية من منطلقات اخلاقية او فكرية كاف جدا لاحمرار العيون الامريكية. هذا حوار غير صحي بل هو محض ابتزاز وقرصنة معروفة عن الامريكيين.
– اذا كانت السلطة السياسية في اي بلد تعبر عن منظومة مصالح المجموعات الاجتماعية المتغلبة او المسيطرة اقتصاديا وثقافيا او عرقيا في ذلك البلد، فذلك لا يعني احاطة السلطة بمجتمعها او تعبيرها عن ارادته حصريا ولا يهم كثيرا زعمها بغير ذلك استنادا الى انتخابات شكلية وغير حصرية وغير حاسمة في دلالتها او نطاقها لتوكيل السلطة المحددة في النيابة عن مجتمع معين، وهذا مبحث مهم جدا في فهم طبيعة العلاقات الدولية. فالسلطة المؤسسة على غلبة اقتصادية او اجتماعية او عرقية هي سلطان منجبر وطاغوت يخشى قيام نموذج مختلف في مكان اخر من العالم لا يؤسس سلطانه على غلبة بل على توافق لأن الغلبة تعني قيام جماعة محدودة ببذل جهد في فرض ارادتها على الاخرين داخليا والانشغال الدائم بالحفاظ على تفوقها الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي على نحو يمكنها من تسخير طاقات من تحكمهم لخدمتها، بينما التوافق يعني تجميع الارادات مهما ضعفت والمساهمات مهما قل اثرها وبالقطع فان مجموع الارادات المتعددة اعظم اثرا من الارادة الواحدة المتغلبة. ونموذج توافق الارادات هذا هو بالضبط ما تخشاه الحكومات الغربية التي تبدو ظاهريا مسيطرة على المشهد الدولي تماما كما كان الحال مع امبراطوري فارس والروم اللتان هزمهما منهج التوافق لان شعوبهما هربت من سيطرتهما الى سعة الدنيا والاخرة.
نواصل
صديق محمد عثمان