🔴 أوكرانيا ومصباح علاء الدين لتغيير مسار معركة الخرطوم
تقرير CNN بخصوص تواجد قوات العمليات الخاصة الأوكرانية في الخرطوم و إشرافها على عمليات قصف دقيقة و نوعية عبر الدرون بما أننا غير قادرين على تأكيد او نفي ما في التقرير فلست هنا احاول المجادلة حول محتوى التقرير و أهدافه و ما وراء السطور لكن ما أريد شرحه أن فكرة دخول أوكرانيا لمعركة الخرطوم بثقلها هو أكبر بمراحل بعيدة من أفضل السناريوهات الحالمة لدي “too good to be true” بل يمكن وصفها بمصباح علاء الدين الذي قد يقلب معركة الخرطوم بشكل سريع و فعال.
تواجد مليشيات الدعم السريع بكثافة في الأحياء حول مقرات الجيش الرئيسية في مدن العاصمة الثلاث و الإصرار على معاودة إحتلال هذه الأحياء بعد طردهم مستفيدين من الكثافة العددية الكبيرة لهم و قدرتهم على الحركة السريعة يهدف لشل قدرة الجيش على التحرك و الإنتشار و تطوير وضعه القتالي للهجوم و عليه النجاح في إبقاء المقرات الرئيسية للجيش في حالة تأهب دفاعي مستمر و بدون هذه الميزه للمليشيا لتدهور وضعها أكثر و تحولت المعركة سريعاً بعد إمتصاص هجومها الأول لمعركة داخل حي تلو الأخر لطردهم تدريجياً من العاصمة و ما ذكرته أعلاه هو السبب الرئيسي لتعقيد هذا التحول في شكل المعركة.
بعد فترة قصيرة من الحرب الجيش أصبح يتعامل مع الحرب كحرب إستنزاف و عليه توقف لحد كبير عن شن هجمات مستمرة و المناورة و الإنتشار بقطاعاته العسكرية الكبيرة الطبيعية من مشاة و مدرعات إلخ و إستعاض عنها بإستراتيجية رئيسية مختلفة قوامها هجمات تشنها وحدات نخبوية أصغر أسهل في الإدارة و أخف في الحركة لتمشيط إرتكازات الدعم السريع و تمشيط مخابئهم في الأحياء ثم الإنسحاب دون إرهاق نفسه بالتورط بالدفاع عن جميع شوارع و أحياء العاصمة و الذي هو أمر مرهق و تسبب في إنهيار جيوش كالجيش السوري و الإكتفاء بالحفاظ على ما يعتبره نقاط حاكمة و الشق الثاني لإستراتيجية الجيش هو القصف الجوي و المدفعي للتجمعات و التي تبدأ بعمليات إستخبار على الأرض و إستطلاع جوي و هذه العمليات ككل على العكس من رغبات الجميع تأخد الكثير و الكثير من الوقت فلا يمكن للجيش إرسال قوات لمهاجمة منطقة إعتباطاً بل يسبقها مجهود إستخباراتي في جمع المعلومات عن القوة المدافعة و تقييمها ثم تحديد حجم و نوع القوة المناسبة التي ستهاجم و ما الهدف المرجو من الهجوم و أي تسرع او خطأ في هذه العملية عواقبها وخيمة على سبيل المثال ماذا لو هاجمت قوة نقطة ما و وجدت نفسها في مواجهة فوهة مدفع دبابة او مدرعة و هي غير جاهزه من حيث الخطة أو التسليح للرد عليها و تحييدها و عليه حجم الخسائر المتوقعة كبير للغاية فقواتك تخاطر بحياتها في كل لحظة بأصغر تحرك على الأرض و تعمل في بيئة شديدة العدائية فكل مبنى هناك احتمالية ان يكون به قناصين او صواريخ مضادة للدروع او الأفراد او مدافع رشاشة و كل شارع هناك إحتمالية ان يكون به كمين.
في نظري هناك أمل و إستراتيجية مغايرة تماماً تلوح في الأفق و يمكن أن تقلب سريعاً المسار البطيئ جداً للعمليات استراتيجية سريعة فعالة مرنة تقوم على مبادئ الحرب الحديثة التي حققتها أوكرانيا في هذا المجال بإدخال سلاح الدرونات المدنية الخفيفة ليس كسلاح جانبي مساعد بل كقوة عمليات خاصة مستقلة ضاربة تعمل من داخل المقرات الرئيسية للجيش اتحدث هنا عن مئات الأفراد المدربين داخل كل مقر رئيسي يعملون ليل نهار لتشغيل المئات من الدرونات و إن كنا متفائلين بدعم أوكراني قوي فيمكن إفتراض الآلاف من الدرونات داخل كل مقر رئيسي للجيش !
مهام هذه القوة يمكن ترتيبها في ثلاث مهام رئيسية أولاً تمشيط كل حي على مدار النهار يقع داخل مدى الدرونات حول محيط مبنى المقر الرئيسي للجيش لتدمير أي شكل من أشكال التجمع لجنود المليشيا حتى لو كان فرد واحد يتمشى برجليه و يمكن أن تغطية كل هذه الأحياء و تمشيطها شارع شارع و شبر شبر عدة مرات في اليوم لو كانت عددية الدرونات و القوة المشغلة كبيرة و عليه تكرار مهاجمة المقار الرئيسية للجيش عبر التسسل بداخل الأحياء المحيطة ستصبح انتحار من كيلومترات من حدود المقر سيتم تشتيت هذه القوة تماماً و ثانياً شل و فرض رقابة مستمرة 24 ساعة على كل الجسور التي يمكن ان يستفيد منها افراد المليشيا و على جميع الشوارع و التقاطعات الرئيسية على ان لا تمر أي سيارة للمليشيا دون قصفها بدرون انتحارية و جعل تكوين أي ارتكاز للمليشيا في أي شارع عملية مستحيلة و ثالثاً تعمل هذه الدرونات كقوة تغطية جوية للقوات البرية المتقدمة على الأرض سواء بمسح محيط المكان لقصف أي كمين او أي ارتكاز للعدو يشتبك مع القوة المهاجمة و تأمين محيط الحي بالكامل لقصف أي إمداد او أي قوات منسحبة.
تحويل مقرات الجيش الرئيسية لقواعد جوية متكاملة
كإفتراض سأضع المقرات الرئيسية الثلاث القيادة العامة و المدرعات و المهندسين كقواعد جوية لقوة الدرونات الجديدة و الدرونات عموماً مداها يتفاوت بعضها بضع مئات من الأمتار و بعض الأنواع المتقدمة تصل لكيلومترات و بحصر ثلاث او أربع أنواع من الدرونات فقط مداها 5 كلم و 10 كلم يمكننا رسم خريطة تقريبية لمدى تغطية هذه الدرونات من المقرات الثلاث ( الخريطة في اول تعليق و ليست دقيقة تماماً لتقريب تصور الأمر فقط) يمكننا ملاحظة ان كل الجسور داخل المدى ما عدا جسر سوبا و أيضاً كل الشوارع الرئيسية و الحيوية تقريباً داخل التغطية و أيضاً كل الشريط النيلي بين المدن الثلاث تحت الرقابة و هو أمر مهم جداً المليشيا تستخدمه كمنفذ لتهريب الذخيرة بين المدن الثلاث فمن المهم مراقبته خصوصاً ليلاً و قصف كل محاولة إبرار نهري.
مميزات تجعلها السلاح المعجزه
المميزات في الدرونات الصغيرة يمكن سردها في ثلاث نقاط الأولى و أهمها هي نسبة ضررها الجانبي في الممتلكات المدنية و البنية التحتية يكاد يكون صفر في المئة مع الضرر الفادح جداً و المدمر للقوات الجوية و المدفعية الثقيلة و هذا أمر لا بمكن تلافيه بأي شكل و هو أكثر ما يقيد الجيش فنظرة جوية لحال مباني الخرطوم لن تلاحظ ضرر بعينيك في حين لو راجعت أي معركة مدن أطلق فيها أي جيش العنان لنفسه لن تجد المدينة من الأصل فالدرون المدنية الصغيرة يمكنها مطاردة و قصف الأفراد حتى داخل حوش المنزل و نسبة الضرر ستكون طفيفة جداً جداً تكاد لا تذكر ! النقطة الثانية هي التكلفة المنخفضة للغاية فعلى سبيل المثال اذا فرضنا تجهيز كل مقر من المقرات الثلاث التي فرضتها سابقاً القيادة و المدرعات و المهندسين عدد 800 درون متنوعة في المهام يبدو الأمر كبير كتكلفة و لكن الحقيقة تكلفة مجموع هذه الدرونات هو أقل من ثلث مسيرة بايرقدار واحدة فقط و أقل من نصف سعر دبابة واحدة فقط و 4% فقط من سعر مقاتلة ميج 29 فيمكن للجيش مضاعفة هذا الرقم 5 و 10 مرات و ستكون التكلفة مجرد (فكة) بالنسبة له. و أما الميزة الثالثة هي المرونة الشديدة لهذه الدرونات فهي قادرة على العمل طوال الوقت و سرعتها كبيرة للغاية عكس ما يتصور الغالبية فلك ان تتخيل ان درون FPV انتحارية تقطع 3 كيلومتر في دقيقة فقط فعند تحديد هدف بواسطة درون المراقبة ليس هناك تسلسل قيادي طويل و معقد بين وحدات متفرقة للقوات المسلحة للتعامل مع الهدف فقط من نفس المجموعة المشغلة لدرون المراقبة تنطلق عدد من الدرونات الإنتحارية و هي تحتاج لثواني فقط لتصل لأي هدف حتى لو كان سيارة متحركة لتدميرها و بل معاودة قصف الهدف بمزيد من الدرونات في ثواني فقط في حال حدوث تجمع لإخلاء الجرحى او الجثث و يمكن لدرونات FPV الإنتحارية في حال رصد قناص يمكنها الدخول بأصغر فتحة ممكنة لداخل العمارة و تفجير نفسها فوق القناصين بضرر جانبي لا يذكر و هكذا هذه الدرونات تفتح الباب لإمكانيات جبارة على أرض المعركة.
يبدو كل شئ سهل و سلس من حيث التكلفة و التشغيل لماذا لم يشتري الجيش آلاف و آلاف من هذه الدرونات حتى اللحظة ؟ مبدئياً من الواضح ان الجيش لم يستعد بهذا الشكل من قبل الحرب رغم الدرس الأوكراني الواضح و توريد هذا الكم من الدرونات ليس بالأمر اليسير و يحتاج لدعم قوي من دول مقتدرة تقنياً فروسيا بنفسها تدور لليوم بين الدول لدعمها بالدرونات فحتى التصنيع ليس بالأمر الهين فستحتاج لقطع إلكترونية هامة أي سلاسل توريد خارجية و سترجع أيضاً لضرورة دعم خارجي للحديث عن أعداد تحسب بالألوف.
طيب لماذا في مطلع المقال وصفت هذا التحول بالأمر الذي (يلوح في الأفق) ؟ لماذا من الممكن حدوث هذا التغيير الأن ؟ أنا حديثي كله مبني على صحة رواية تقرير CNN و هو أن التدخل الأوكراني في هذا الملف سيجعل كل ما ذكرته ممكن و مرجح للغاية.
لماذا إذا أوكرانيا تحديداً ؟ في الواقع أوكرانيا هي أفضل دولة على وجه الأرض يمكنها تجهيز دولة أخرى بكميات ضخمة من هذه الدرونات و توفير تدريب جيد لطواقم التشغيل لديك خصوصاً في حالة درونات FPV (الإنتحارية) التي التعامل معها صعب قليلاً خصوصاً لإصابة أهداف متحركة كالسيارات فقط لتتخيل هول ما يحدث في الحرب الأوكرانية هناك حسب تقديرات لمركز دراسات غربي أن اوكرانيا تخسر شهرياً 10 آلاف درون يتم إسقاط اغلبها عبر انظمة الدفاع الجوي الروسية او عبر الحرب الإلكترونية (التشويش) فيمكننا تخيل قليلاً القدرة التصنيعية التي حشدت أوكرانيا حولها الشعب و عليه في حال وجود رغبة أوكرانية جادة فهي أفضل سناريو ممكن على الإطلاق لمشاركتنا تصاميم دروناتهم و إمدادنا بالمكونات و بل حتى نقل بعض معدات ورش التصنيع لمصانع التصنيع الحربي لدينا لتكثيف الإنتاج بأعداد هائلة.
مصالح فرضتها الحروب
لماذا أوكرانيا ستدعم السودان ؟ هل تعرف أوكرانيا وجود دولة إسمها السودان من الأصل ؟ في الواقع الأغلب الأمر ليس كما يتصوره البعض فهناك تقارير بحكم متابعتي للحرب تتحدث عن إمداد السودان بذخائر مدفعية من مصانعه الحربية لأوكرانيا و هنا نقصد المدفعية السوفيتية احتاجت أوكرانيا و الغرب سلاسل توريد ذخيرة من دولة تصنع هذه الذخائر و حسب بعض التقارير و صور من المرجح جداً دعم السودان لأوكرانيا و عليه إمداد أوكرانيا للسودان بأسلحة نوعية ليس فقط هو رد للجميل بل هذا من مصلحة أوكرانيا التي تخوض حرب مستمرة فإنتصار و حسم سريع للجيش السوداني لحربه في الخرطوم هو شئ يهم أوكرانيا بلا شك فبدون ضمان لمصادر توريد لذخائر المدفعية السوفيتية هذا يجعل جميع المدفعية السوفيتية في الجيش الأوكراني تحت خطر خروجها عن الخدمة تماماً و هو شئ خطير للغاية خصوصاً ان أوكرانيا تعاني من نقص هائل جداً في ذخائر المدفعية التي تحتاجها فعلياً سواء الغربية او السوفيتية.
في حال كان هذا المستوى من التعاون سابق ذكره صحيح ألا يعني خسارة السودان لروسيا كحليف ؟ في الواقع الأمر معقد فهناك دول بعد الحرب الأوكرانية اتخذت سياسات معادية او غير مريحة إتجاه روسيا و لكن تحالفها و تعاونها مع روسيا لم يتضرر و بل هناك دول تدعم أوكرانيا بسلاح ثقيل أسلحة نوعية تحدث فرق في الميدان ليس فقط ذخائر مدفعية قديمة كحال السودان و رغم هذا لم يتضرر تعاونها مع روسيا فمصالح روسيا كدولة أكبر من أن تقاس فقط بأحداث جانبية في مسرح الحرب الأوكرانية و في حال ضمان روسيا لمصالحها في السودان تحت رعاية الجيش السوداني هي أيضاً ستكون سعيدة بسحق الدعم السريع الذي تقريباً خسر معركته الدولية بالكلية.
Salih Abdalrahman