فلسفة الصمت وفنون الكلام
نتعرض أحيانًا إلى الانجراف في الحديث مع هؤلاء الأشخاص الذين دفعت بهم الحياة في طريقنا مصادفة، نجد أنفسنا في مواجهتهم فننساق وراء حديثهم، ونسير إلى جانبهم في طرق وعرة كنا نرفضها من قبل ونرفض السير فيها، لولا تدخل هؤلاء الأشخاص والتسرع بإبداء رأيهم فيما نقوله أو نفعله عن قناعة منا دون تحيز ودون تملق ودون زيادة أو تقتير، نجد أنفسنا نندفع نحوهم بكل قوة محاولين التفسير والتبرير، وكان هذا هو الخطأ الوحيد والكبير.
إن هذه الشخصيات التصادمية اعتادت البحث دائمًا عن نقاط للخلاف، وسعت لذلك بكل طاقتها وتعمدت تحليل الأمور وتفسيرها على طريقتها ومنهجها، إنهم يفسرون ما نصوغه من كلمات أو ندونه من أحاسيس تعكس مشاعرنا الصادقة بحسب هواهم، يجيدون خلق مساحات تضج بصيحات من وهم كاذب وخيال معاق، مساحات من جهل لا ينقصها إلا هذه الأدوات “بلورة ساحر ووعاء بخور”.
إنها إحدى السمات الشخصية للعديد من الأفراد في مجتمعاتنا العربية المحبة للخلاف والجدال على الدوام، يتفوقون في خلق المشكلات من العدم لتعقبها أحكام سريعة جائرة وظالمة تنبع من سوء ظن وسوء اختيار لما يجب أن يروى أو يقال، سوء اختيار الكلمات والألفاظ ينهي الحوار بالنزاع والشجار، وربما يتطور الأمر إلى حالة من حالات الاشتباك والاقتتال.
حديثك عنوان لك، اختيارك لمفرداتك التي تنطق بها بكل دقة وعناية دليل رقيك وحسن معرفتك بما يجب أن يقال، فقضيتنا الأزلية هي الحكم المسبق على الأقوال والأفعال، إن هذه النقطة بالتحديد ليست ملكًا لأحد سوى خالقنا الذي يطلع على ما في صدورنا ويعلم نوايانا، ولهذا فنحن نتعرض لانتقاد أغلب شعوب العالم التي تصفنا بأننا شعوب الثرثرة والهمجية وعدم الالتزام وخاصةً في أدب الحوار.
ترهقنا هذه الشخصيات التي تؤمن بمبدأ خالف تعرف، تزعجنا بظلمها وسعيها الدؤوب لتأويل ما نعبر عنه بحسب هواها تربكنا وتدخلنا معها إجباريًا داخل دوائر الخلاف، تأخذ من سلامنا النفسي، تقتسم مع الجدال نصيبه المفروض بكل حماقة لتحوله إلى سلاح مدمر تصوبه نحو صدور الأنقياء، تطلق طلقات الغدر على من صدقوا مع ربهم بصفائهم فيما تحدثوا به من أقوال وما طبقوه من أفعال، اليوم سنوجه حديثنا إليهم قائلين: “لاحاجة لنا بالخلاف معكم فالخلاف هو الخطر الأكبر الذي يهدد وجودنا جميعًا، ويحرمنا من العيش في وطن ينعم بالسلام والازدهار”.
دعونا نلتزم الصمت الآن، اتركونا نخرج من دوائر حواركم الضيقة، فإما أن تنضجوا انفعاليًا وفكريًا، وإما أن تغيبوا عن سمائنا بتمردكم وتعنتكم وحكمكم المسبق على كل ما يدور.
ليس عيبًا أن نفتح نوافذنا الآن لنطردكم من بيننا دون أسف على فراقكم، دون أدنى شعور بالذنب، ونحن نراكم تتسابقون لتلوذوا بالفرار، دعونا نكمل مسيرتنا كما أردنا وارتأينا، فعزيمتنا لا ولم ولن تلين، اغربوا عن سماء من اعتنقوا الحق وآثروا الصمت أمام كل محاولة جديدة منكم لجذبهم عمدًا بإيجاد نقاط أخرى للخلاف.
وفاء أنور – بوابة الأهرام