حوارات ولقاءاتأبرز العناوين

عن الصوفية في السودان ودورها في الصراع الحالي

قال الأمين العام للهيئة الشعبية لمناهضة التطبيع في السودان عثمان الكبّاشي في حوار مع الميادين نت إنّ التصوف هو العامل الأساسي في نشر الإسلام في السودان، وانتشار اللغة العربية ومراكز تدريس القرآن الكريم، متابعاً أنّ “التصوف بالنسبة إلى أبناء السودان بمنزلة القلب في الجسد”.

وعن طرق الصوفية، قال الكباشي إنّها دخلت إلى السودان باكراً جداً، مشيراً إلى أنّ “أول الطرائق التي عرفت انتشاراً كانت الطريقة الشاذلية” التي أسسها الشيخ أبي الحسن الشاذلي والتي جاءت من المغرب العربي، مضيفاً أن هذه الطريقة تنتشر  في شرقي وشمالي السودان.

وتابع أن الطريقة الأكثر انتشاراً هي الطريقة القادرية المنسوبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، التي جاءت من الحجاز في القرن السادس عشر عبر الشيخ تاج الدين البهاري الذي زار السودان بدعوة من بعض الحجيج الذين قابلوه في مكة.

ولفت الكباشي إلى أنّ الطريقة القادرية تنتشر في عدّة أماكن في السودان، في الوسط ومناطق ما بين النيلين، والخرطوم وأيضاً الشمال.

وأضاف أنّ هناك عدّة طرائق أخرى للصوفية بعضها يُنسب  إلى الطريقة القادرية، كالسمّانية التي أسسها الشيخ أحمد الطيب البشير عن الشيخ محمد السمّان في المدينة المنورة.

وتابع أن هناك أيضاً طرائق: الختمية، الإدريسية، الأحمدية، التيجانية، البُرهانية والأحمدية وغيرها. مضيفاً أنّ هذا التنوع   استطاع أن يغطي جغرافية السودان بأكمله.

وفي سؤال الميادين نت عن الاختلافات بين هذه الطرائق، وعمّا إذا كانت اختلافات سياسية أم دينية أم ثقافية، رأى الكباشي أنّه “ليس  هناك اختلاف بين هذه الطرائق بقدر ما هو تنوع”، لافتاً إلى أن “هناك طرائق تركّز على التعليم والقراءة، وهناك من يركّز على الأذكار الجماعية، ومن يركّز على الأوراد الفردية، وهناك من يجمع بين هذه وتلك، وإن كان بمقادير مختلفة”.

وتابع أنه “رغم الاختلافات، فإن كل الطرائق كما يقول المتصوفيون تؤدي إلى الله تعالى”.

وأضاف أنّه من هذه الاختلافات تشكّلت خريطة السودان الجغرافية ومدنها، متابعاً أن الخرطوم لم يكن معروفاً قبل أن يرحل إليه الشيخ أرباب العقائد ويؤسس مسجده هناك ومعهده العالمي الذي جذب إليه الطلاب من جميع أنحاء أفريقيا، فتشكّلت نواة مدينة، وبعدها أصبحت عاصمة للسودان.

وعليه، يقول الكباشي إنّ التصوف مرتبط بالتنمية العمرانية في السودان وتأسيس المدن والنظام التعليمي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلاد.

وأضاف أنه “رغم انتشار كل طريقة صوفية في منطقة جغرافية معينة، إلا أنّ التصوف  عابر للإثنيات والعرقيات”، متابعاً أنه “ليس هناك شيء في السودان يوحّد الشعب مثلما يفعل التصوف”.

وعن علاقة الصوفية بالسياسة، قال الكباشي إن “التصوف جزء من السياسة وليس منفصلاً عنها وليس صحيحاً ما يقال إن التصوف بمنأى عن السياسة”.

وأضاف أن الصوفية تهتم جداً بمجريات السياسة حتى وإن أدى ذلك إلى أن تدخل المعترك السياسي.

وتابع قائلاً إنه صحيح أنّ المتصوفين يحتفظون بمسافة بينهم وبين التباينات السياسية الحادة على المستوى اليومي، ولكنهم  على المستوى الإستراتيجي كانوا دائماً حاضرين.

وأضاف أن التصوف هو الذي أسس الدولة السنّارية في السودان عام 1504، إذ كان التصوف عمادها ومرجعيتها، وملهماً للقادة الذين وحّدوا السودان.

وتابع أنّ التصوف أيضاً هو من قاد الثورة المهدية عام 1881 ضد الاستعمار الإنكليزي والظلم.

وفي سؤال الميادين نت عمّا إذا أصبح التصوف واجهة للسياسيين الذين فشلوا في بناء مشروعهم الوطني، قال الكباشي، إنّ التصوف شكّل مرجعية للناس ومحلّ ثقتهم، ولذلك فإنّ مخاطبة أي سياسي للناس من دون الرجوع إلى هذه المرجعيات سيعني العزلة في المدن والنخب.

وتابع: “صحيح أنه قد يكون لهذا الأمر بعض السلبيات في الطائفية السياسية، ولكن التصوف كان عاملاً متفاعلاً مع الحياة وليس منعزلاً عنها”.

وأضاف أن “السياسيين قد يعملون على توظيف الصوفي، ولكن الصوفي يوجّه السياسة إلى حد كبير، ولذلك تجد هذه الأحزاب نفسها مضطرة إلى الالتزام بالقاعدة الفكرية ومراعاة الاعتبارات الروحية لجمهورها، لأن الصوفية هي الأساس في تكوينهم الفكري والنفسي أيضاً”.

الكباشي شدد على أنّ المتصوفين حريصون دائماً على ما يوحّد الشعب، وأضاف أن “الصراع الحالي تكمن مشكلته الأساسية أنّه يريد المشروع الغربي الاستعماري وتمزيق السودان”.

وتابع أن “التصوف دائماً مع وحدة أهل السودان واستقرار البلاد وسلامتها، لأنّ أهل التصوف هم أهل السلام”.

وأضاف أنّ أهل التصوف الآن يدعون إلى السلام الذي يتحقق بشروط لا تسمح بتفكك الدولة وتقسيمها وتمزيق المجتمع .

وأكد أنّ التصوف عامل داعم لاستقرار السودان واستقلاله  والسيادة الوطنية، مشيراً أنّ هدف الحرب الحالية يكمن في الانتقاص من سيادة البلاد وفرض الأجندة الخارجية المرتبطة بالاستعمار القديم الجديد في المنطقة.

وتابع قائلاً: “لذلك، تجد أن صوت المتصوفين صحيح، رغم أنه قد لا يكون هو الأعلى وسط ضجيج السياسة وصخبها وأصوات الرصاص، ولكنهم يلعبون دوراً كبيراً جداً الآن في مجتمعاتهم المحلية في إيواء النازحين وتحقيق تماسك المجتمع”.

وفي سؤال الميادين نت في ختام اللقاء عن دور الهيئة الشعبية في مناهضة التطبيع، قال الكبّاشي إنّ “دورنا يكمن في مضاعفة جرعات التوعية لمناهضة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي لأنه ضد مصالح السودان الوطنية، وهذا الأمر يتكشف للسودانيين يوماً بعد آخر، خاصة بعد الحرب الأخيرة”.

وتابع قائلاً: “السودانيون يعرفون  من حرب جنوب السودان عام 1955، أن العدو الصهيوني كان حاضراً ومحرّضاً مباشراً في الصراع”،مضيفاً أنّ “إسرائيل” لعبت دوراً أساسياً في تشكيل حركات التمرّد وتسعير الحرب الأهلية وتمويل وتسليح هذه الحرب والتحريض على الانفصال”.

وأشار الكبّاشي إلى أنّ “الصهاينة كانوا أيضاً حاضرين في حرب دارفور وأيضاً هم حاضرون اليوم في الصراع الحالي”، مشدداً على أنّ “هدف الإستراتيجية الإسرائيلية إضعاف السودان وتمزيقه وحرمانه من الاستفادة من موارده وثرواته الغنية في المياه والبترول والزراعة” .

وتابع أنّ” مناهضة التطبيع لا ترتبط فقط بموقف أخلاقي رغم أهميته وفعاليته في التضامن مع فلسطين وبيت المقدس، ولكنها مرتبطة أيضاً بقضية السودان الوطنية”. قائلاً: “نحن نرى أفعال الصهاينة واقترابهم أكثر من بلادنا وتدخلاتهم المستمرة والمباشرة وتحريض السودانيين على بعضهم البعض”.

وشدد على أنّه في المقابل فإن دور مناهضي التطبيع أيضاً مستمر في التوعية، والدعوة إلى المزيد من الوحدة ومعرفة طبيعة الصراع في ظل محاولات التضليل المستمرة ومحاولة تصوير الصراع على أنه صراع داخلي، مناطقي. مشدداً على أنّ ما يعيشه السودان حالياً صراع أجنبي ولكن  مسرحه السودان.

الكبّاشي ختم حديثه بالتشديد على أنّ “مناهضة التطبيع في السودان أكبر من هيئة ومؤسسة إنما هي حركة مجتمعية تهدف إلى نشر الوعي في البلاد”، وهذا ما بدأ يؤتي ثماره فعلياً.