تحقيقات وتقاريرأبرز العناوين

أزمة السودان في شهرها الخامس.. اشتداد ألم أم ولادة أمل؟

قبل أربعة أشهر ، كان السودانيون ومعهم العالم، يعتقدون أن الدخان المتصاعد من سماء العاصمة، ما هو إلا سحابة عابرة.

لكن سرعان ما تلبدت سماء الخرطوم بغيوم سوداء، وتناثرت حمم الغضب في كل شارع وزقاق، وتفرق القريب والبعيد على معابر الفرار، باحثين عن وسيلة تنقذهم من جحيم المعارك وتحملهم إلى الجانب الآخر من بلدهم المضطرب.

في ذلك الوقت وتحديدا في الخامس عشر من أبريل/نيسان، اختصم “الصديقان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو الملقلب بـ”حميدتي”، فحولا السودان إلى ساحات للقتال بين الأصدقاء. حينها، اعتقد الجنرالان أنهما سيفوزان بالمعركة، لكن حسابات العسكر أخطأت في حسابات الميدان، فلا هذا انتصر ولا ذاك، وبقي السودانيون يبحثون عن سودان ما قبل أبريل.

الخبير العسكري محمد عبد الكريم يرى أن الحرب في السودان “أخذت وقتا أطول مما كان متوقعا لها بل أكثر من الزمن الذي قدّره من خطّطوا لها”. وقال عبدالكريم لوكالة فرانس برس: ” لم يكن أحد يتوقع أن تستمر هذه الحرب لأكثر من أسبوعين في أسوأ أحوالها”. مضيفا “الجيش كان يظن أن الحسم سيتم في وقت وجيز على اعتبار أنه يعرف تفاصيل تسليح قوات الدعم السريع وأن لديه ضباطا منتدبين للعمل في الدعم السريع”.

وهو ما ينطبق على “الدعم السريع”، حيث يقول ضابط سابق في الجيش السوداني طلب عدم الكشف عن هويته، في حديثه لوكالة فرانس برس، إن الأولى “أعدت خطوط إمدادها ولذلك كانت أولوياتها السيطرة على مداخل العاصمة”.

واليوم، تسيطر قوات حميدتي على المدخل الغربي للخرطوم الرابط بين العاصمة وولايتي دارفور وكردفان عند الحدود الغربية لأم درمان (ضاحية الخرطوم). كما تسيطر علي الطريق الذي يربط الخرطوم بولايات الوسط وشرق السودان.

وبحسب الضابط السابق، فإن الجيش “اختار حماية قواعده الأساسية، غير أن قوات الدعم السريع كسبت أرضا في الأحياء السكنية التي كانت أقامت مقارا فيها وباتت منذ بداية الحرب تسيطر على العديد من المنازل والمستشفيات ومؤسسات بنى تحتية أخرى”.

غير أنه بالنسبة للخبير العسكري محمد عبد الكريم، فإن “هذه حرب بطبيعتها تفترض الاعتماد بشكل أساسي على قوات المشاة بما أنها حرب داخل مدينة”. إلا أن الجيش- يكمل عبدالكريم- “منذ سنوات طويلة لم يعد مهتما بسلاح المشاة الحاسم في مثل هذه المواجهات، حيث اعتمد خلال الحرب في جنوب السودان (الذي أصبح دولة مستقلة عام 2011) على متطوعي الدفاع الشعبي”.

وأضاف “بعد انتهاء حرب الجنوب وبداية القتال في إقليم دارفور، استعان الجيش بحرس الحدود، وهي قوات من القبائل العربية لا من الجيش النظامي، وبعد ذلك بالدعم السريع”.
من جهته، يقول الباحث أليكس دو وال، إن قوات الدعم السريع “أثارت شكوكا في الطريقة التي يقدم بها الجيش نفسه باعتباره ممسكا بالسلطة” عندما فاجأته بانتشارها في الخرطوم.

لكن برأي وال، فإن “ما كسبته قوات حميدتي عسكريا خسرت مقابله سياسيا”. مفسرا ذلك بقوله إنها “فقدت بشكل نهائي تعاطف الشارع بسبب الفظاعات التي ارتكبتها”. وهو عكس البرهان، الذي “كسب سياسيا” ولكن فقط “بسبب الرفض الشعبي لخصومه، فالرجل ليس شخصية سياسية ولا يمتلك كاريزما”، بحسب الباحث نفسه.

الصراع الذي بدا في بدايته قتالا بين جنرالين على السلطة، بات اليوم ساحة لأطراف متداخلة، بعد أن دعا الطرفان الى التعبئة العامة، فقفز الإخوان يصبون الزبت على نار المعركة، في مشهد قد يطيل من أمد القتال وتعقيد العلاقات الدبلوماسية للسودان.. هكذا يرى الضابط السابق. ويقول الضابط إن البعض يقاتل لـ”دعم إخوتهم”، والبعض الآخر يقاتل “من أجل المال”

في هذا الوقت، تتوسع دائرة الصراع يوميا، وتمتد من الخرطوم إلى مدن جديدة، في ظل انسداد أفق الحل السياسي، وسط مخاوف من أن يدوم الاقتتال لسنوات.

“العين الإخبارية”