تحقيقات وتقارير

معلومات تفيد بأنّ مجموعة فاغنر تشارك في الحرب الدائرة في السودان بين الجيش والدعم السريع

برز السودان كإحدى الساحات التي نشطت فيها المجموعة، إذ يربطها عديد من التقارير بقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو، وهو ما يثير تساؤلات عدّة عن التأثير المحتمل لتمرّد المجموعة في 24 يونيو/حزيران الماضي، على مجريات الحرب الضارية في السودان.

تصاعد خلال السنوات الأخيرة الدور الذي لعبته شركة المتعاقدين العسكريين الروسية الخاصة “فاغنر” في عددٍ من الدول الإفريقية، حيث استطاعت بناء تحالفات مع فاعلين محليين رسّخت حضور المجموعة والنفوذ الروسي في القارّة السمراء.

وبرز السودان كإحدى الساحات التي نشطت فيها المجموعة، إذ يربطها عديد من التقارير بقوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما يثير تساؤلات عدّة عن التأثير المحتمل لتمرّد المجموعة في 24 يونيو/حزيران الماضي، على مجريات الحرب الضارية في السودان.

رغم السرية التي تُحيط نشاطات فاغنر في إفريقيا، فقد أورد تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية أسماء عشر دول في القارّة تنشط فيها المجموعة، منها إفريقيا الوسطى وليبيا والكونغو الديمقراطية، وضمن هذه اللائحة برز حضور فاغنر في السودان منذ سنوات حكم الرئيس السوداني عمر البشير.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في الدراسات الإستراتيجية والأمنية الدكتور تاج السر محمد عمر، أنّ مصالح مجموعة فاغنر في السودان بدأت تتبلور منذ أكثر من عشرة أعوام.

ويضيف عمر لـTRT عربي، أنّ الخرطوم في عهد البشير “عقدت مع فاغنر اتفاقيات عديدة في مجال التنقيب عن الذهب في مناطق عدّة بالبلاد، مثل دارفور والولاية الشمالية وكردفان ومناطق أخرى في شرق السودان”.

وذكر الباحث المتخصص في الشؤون الروسية سيرغي سوخانين، في ورقةٍ تحليلية نشرها حول فاغنر في إفريقيا جنوب الصحراء، أنّه تلا توقيع تلك الاتفاقيات تدفق المتعاقدين العسكريين الروس على السودان لحماية المصالح التجارية الروسية، ونشطت المجموعة في مدن سودانية مختلفة منها الخرطوم وبورتسودان، كما نقل مقاتلو المجموعة أسلحةً وأفراداً من السودان إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.

ولطالما اعتُبرت المجموعة واجهةً للنفوذ الروسي في الخارج، إذ حققت موسكو من خلال تقديم الغطاء والدعم لها عديداً من المزايا الاستراتيجية، كما استطاعت موسكو تجاوز تواضع قدرات انتشارها في إفريقيا، وتجنّبت كذلك المخاطرة بأرواح الجنود الروس في عمليات غير مرتبطة مباشرة بالدفاع عن البلاد، في ظلّ حساسية الروس تجاه تكبّد خسائر كبيرة منذ تجربة غزو أفغانستان.

إلى ذلك، وظّفت موسكو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لدعم الأنظمة الحليفة “في مواجهة الثورات والتمردات”، وهو يفسرّ ما أورده سوخنين في ورقته حول مشاركة متعاقدي فاغنر في القمع العنيف للثورة السودانية المناهضة لنظام الإنقاذ التي اندلعت شرارتها في ديسمبر/كانون الأول 2018، رغم النفي الرسمي لذلك.

وفي قمةٍ جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017، اتفق البشير مع موسكو على بناء الأخيرة مركز دعم لوجستي لها على الساحل السوداني، وهو ما جرت إثارته من جديدٍ مع إصدار الرئيس الروسي قرار الشروع في بناء هذا المركز في ديسمبر/كانون الأول 2020، إثر الإعلان عن توقيع اتفاقية مع الجانب السوداني.

وشكلت الثورة السودانية 2018 فاتحةً لظهور قِوى محلية جديدة على الساحة السياسية في البلاد، كان من أبرزها قوات الدعم السريع التي اكتسبت مزيداً من الشرعية مع تولي قائدها (حميدتي) مكانة الرجل الثاني في مؤسسات الحكم، وتحولها إلى لاعبٍ رئيسي ذي ارتباطات إقليمية ودولية.

ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية الدكتور سعيد ندا، أنّه بعد سقوط البشير ناورت روسيا المكوّن العسكري بشقيه (الجيش والدعم السريع)، من أجل المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقية الخاصة بالقاعدة الروسية على الشاطئ السوداني، والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

ويضيف ندا في حديثه مع TRT عربي، أنّ روسيا “وجدت ضالتها في وعود قائد قوات الدعم السريع (حميدتي)، التي أبداها في زيارته إلى موسكو في فبراير/شباط 2022”.

ويلفت إلى تقارير تحدثت عن “اتفاق على تدريب فاغنر لعديدٍ من قيادات قوات الدعم السريع وجنوده، في مقابل الاستمرار في الشراكة التي تجمع بين فاغنر وحميدتي في مجال تعدين الذهب، كما أنّ الأخير تحدث بعد عودته من موسكو عن إمكانية المضي قدماً في إنشاء قاعدة بورتسودان”.

ويشير ندا إلى أنّه بعد اندلاع الصراع المسلح بين قوات حميدتي والجيش السوداني “تواترت التقارير عن تأكيد تلقي قوات الدعم السريع لسلاسل إمداد عسكري من فاغنر، عِبر ليبيا وإفريقيا الوسطي، وهو ما قوّى شوكة حميدتي، وعزّز من قدرته على الصمود، وحدا به إلى رفض مساعي التسوية حتى الآن”.

وهذا ما يؤكده خبير الدراسات الإستراتيجية والأمنية تاج السر محمد عمر، قائلاً: “من المعروف أنّ مجموعة فاغنر تدرّب حالياً قوات الدعم السريع وتمده بالأسلحة والذخائر والمعدات الضرورية للحرب”.

ويؤكد أنّ “هناك معلومات تفيد بأنّ مجموعة فاغنر تشارك في الحرب الدائرة في السودان بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم، بعد أن شاركت في الحرب في دارفور من قبل، وما زالت تعمل مع الدعم السريع في مناطق كثيرة”.

وكانت الأحداث التي شهدتها روسيا في 24 يونيو/حزيران الماضي مفاجأة مدوية، حين توجّهت قوات من مجموعة فاغنر لتسيطر على مركز قيادة عمليات الجنوب الروسي وتكمل سيرها نحو العاصمة موسكو، في حين بلغ التوتر مداه بين يفغيني بريغوجين والحكومة الروسية وعلى رأسها بوتين، فيما وُصف حينها بأنّه “محاولة انقلابية”.

ورغم أهمية تداعيات الحدث على المستوى الداخلي الروسي، فقد استدعى نشاط فاغنر الخارجي التساؤلات حول مدى التأثيرات المتوقعة للمواجهة بين بريغوجين وبوتين على نفوذ موسكو في القارّة السمراء، وعلى الساحة السودانية الملتهبة.

وحول ذلك، يرى الدكتور ندا أنّه يستحيل حالياً الوقوف على حقيقة الأحداث التي شهدتها روسيا مؤخراً، والتي تشي بتمرّد بريغوجين على قادة الجيش الروسي، إذ تحيط بالروايات المرتبطة بها ظلال كثيفة من الشك، تدفع البعض إلى الاعتقاد بأنّ التمرّد حقيقي، بغض النظر عن أسبابه أو عن من يقف وراءه، بينما يذهب آخرون إلى أنّه لا يعدو أن يكون “مناورة تكتيكية روسية”.

ويؤكد أنّ “روسيا لن تتخلى عن المكاسب التي حققتها لها فاغنر، لا سيّما في إفريقيا، وأنّها ستعمل على احتواء الموقف -إن كان حقيقياً- أو تدبير سيناريو تكتيكي مغاير للعمل على تحسين الصورة الذهنية للعلاقات الروسية الخارجية، التي تأثرت سلباً بارتباطها الوثيق بنشاط فاغنر”.

ويستنتج الباحث في الشؤون الإفريقية، أنّ “هذه السيناريوهات المتوقعة تقودنا إلى القول بأنّ ما حدث في موسكو لن يكون له تأثير يُذكر على موازين القوى في الصرّاع السوداني، لأنّ روسيا ليست إلا طرفاً واحداً من بين أطراف متعددين فاعلين في هذا الصرّاع شديد التعقيد”، حسب ندا.

وبالعودة إلى الدكتور محمد عمر، فيرى أنّه “بلا شك سيكون للتطورات المتعلقة بفاغنر تأثيرها الكبير على نفوذ المجموعة في كل الدول الإفريقية التي توسع فيها النفوذ الروسي، مثل مالي وليبيا وبوركينا فاسو”.

ويتابع خبير الدراسات الإستراتيجية والأمنية القول: بالنظر إلى أنّ “فاغنر كانت أحد بيادق موسكو لتوسيع نفوذها في إفريقيا، فإنّ الأحداث الأخيرة في روسيا أثرت سلباً على علاقة المجموعة بالكرملين، ما سينعكس بالضرورة على نفوذ المجموعة في السودان”.

ويلفت عمر إلى أنّ “الولايات المتحدة الأمريكية تتحرك بشكل متسارع لحسم الصراع في السودان، وتحجيم الوجود والنفوذ الروسي بها، وبالتالي سينعكس على نفوذ مجموعة فاغنر في السودان وربما في إفريقيا بشكل عام”.