معتصم أقرع: قحت ولغز السلطة
يعرف كل من درس السلطة أن مصادرها، إلى حد كبير، لغزا. يتضح غموض أصول السلطة عندما ننظر إلى الأفراد الذين يمتلكونها في السودان.
على سبيل المثال، لا أحد يعرف لماذا أصبح بعض الأفراد ممثلين للشعب السوداني ويمكنهم اتخاذ القرارات نيابة عنه في توغو أو أديس أو كايرو أو بروكسل.
انظر إلى قوى الحرية والتغيير التي تبت نيابة عن الشعب السوداني. الكثير من أصحاب الرأي في قوي الحرية والتغيير أصلا افراد يمثلون أنفسهم ولا يمثلون أي حزب أو مجموعة تتمتع بأي قاعدة اجتماعية. السؤال هو كيف وصل هؤلاء الي سلطة تمثيل الشعب السوداني والمشاركة في قرار نيابة عنه؟
لا يمكن تفسير سلطتهم بوطنيهم فهناك من اهم أكثر وطنية منهم بألف عام من شابات المقاومة.
لا يمكن تفسير سلطتهم بتعليمهم فهناك من هم أكثر منهم تعليما من أندادهم وأساتذتهم كما ان منهم من اتي من تكاسي الغرب أو الشرق ووظائفه المتواضعة ومعادلها في السودان لحكمه.
كما ان هناك من شابات وشباب المقاومة من اثبتوا انهم أكثر وطنية وشجاعة ومقدرات نظرية ولكن لم يسمح لهم بالترقي لتمثيل الشعب السوداني في طاولات القرار رغم انهم الأنسب لحكم البلاد.
العسكر والميليشيات أصحاب قرار بحكم السلاح بيدهم، ولكن من اين اتي الذين يمثلون الشعب المدني ويتخذون القرار نيابة عنه؟
كما قلنا فان السلطة لغز، ولكن الخيط الجامع بين ممثلي الشعب المدني في موائد القرار هو قبول الخارج الغربي والإقليمي بهم ولا شيء اكثر من ذلك. اذن نحن أمة مستعمرة بقرارالصفوة المتحدثة باسم الشعب المدني.
لا تنتهي المأساة في حدود مشاكل مشروعية افراد يمثلون أنفسهم أو أحزاب كرتونية لا قاعدة لها بل تمتد لأكثر أحزاب قحت متانة مثل حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني.
صحيح ان حزب الامة هو أكبر الأحزاب السودانية الذي فاز باخر انتخابات حرة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ولكن قد جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذئذ. اذ تغيرت خريطة حواضنه الطبيعية في دارفور وكردفان وفقد جل نفوذه في غرب السودان. كما ان رحيل الامام الصادق قد ترك فراغا يصعب سده.
فرغم ان الامام كان حفيد المهدي وحفيد الامام عبد الرحمن مؤسس المهدية الثانية إلا ان قيادة الامام الصادق لحزب الأمة بررها تميزه الفكري وفصاحته وأدبه وعفة لسانه ما خفف من حدة تهمة وراثة السلطة حتى ان لم ينفها تماما.
ولا أحد يشك في أن الامام الصادق كان سيفوز بـأي انتخابات داخلية نزيهة لاختيار زعيم حزب الأمة، بأكثر من نسبة تسعين في المئة. ولكن برحيل الامام دخل حزب الأمة في متاهة وحيص بيص. نتمنى لحزب الأمة التعافي لان في تعافيه مصلحة وطن وفي تيهه محن.
أما أحزاب الاتحادي والختمية فقد صارت نكتة سخيفة لا تستحق أي تعليق مع اني من أصول ختمية وحبوبتي بت الخلفا…لوول..
بجانب حزب الأمة الحزب الوحيد المشروع في نواحي قحت هو حزب المؤتمر السوداني الذي يتمتع بوجود قوي ومشهود في الجامعات داخل وخارج السودان كممثل لأشواق البرجوازية المتعلمة.
إلا ان حزب المؤتمر السوداني لم يخض انتخابات عامة في تاريخه ولم يتم اختبار رسالته خارج دوائر بنات واولاد الجامعة.
أضف الي ذلك ان سنابل جامعات “الأقاليم” اتهموا سنابل جامعة الخرطوم بالهيمنة واقصاء سنابل اللا-جميلة ومستحيلة رغم جهدهم وشجاعتهم واستبسالهم في نشر رسالة “أنا لا أدرى من أنا ولكني ضد الشيوعية وضد الاخوانية” كمعادل لشعار لا شرقية ولا غربية سنبلية مية المية.
نمتني تعافي حزب المؤتمر السوداني لان البرجوازية السودانية المتعلمة تحتاج الي حزب كيوت.
ولا شك في ان البرجوازية السودانية يمكنها ان تلعب دورا رائدا في تقدم السودان بقيادة السنابل – رغم أدائهم البائس حد الرثاء منذ سقوط البشير – أو تحت قيادة غيرهم.
خلاصة القول ان العسكر والجنجويد في طاولة تقرير مصير السودان بحكم مالهم وسلاحهم أما الجانب المدني كأفراد أو تكنوقراط مضحكين أو أحزاب لافتة فلا اري مشرعن لوجودهم في الطاولة سوي قبول الخارج بهم سياسيا واعلاميا.
والله اعلم – أو كما قال شيخنا ابن خلدون.
معتصم أقرع