إبراهيم عثمان: نهاية السواقة
▪️ بسبب تحولها إلى حرب على المواطنين أصبح الناس على معرفة بمعظم حقائق الحرب، وبالتالي لم يعودوا في حاجة إلى جهة تنتجها لهم، خاصةً الجهات التي خرجت من السودان مع الرعايا الأجانب، أو بطريقتها الخاصة، أو بمساعدة المتمردين، فالحقائق عند المواطنين حقائق صلبة وصادمة، ويتعاملون معها مباشرة، وأوضح من أن تُلغَى أو يُعاد إنتاجها، أو تُشوَّه، أو تُعدَّل، وبالتالي يستحيل أن تُعكَس، وأي محاولات بهذا الخصوص ستكون كذباً مكشوفاً لا يجلب لأصحابه شيئاً سوى مزيد من التورط في المسؤولية عن الحرب وجرائمها، وهذا يجعلنا نجزم بأننا قد دخلنا في مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة “نهاية السواقة”.
▪️ يكابر الدعم السريع، ويرفض الاعتراف بهذا التحول الذي أضعف مفعول السواقة، ولهذا تأتي كذباته مكشوفة تماماً وتأخذ شكل النكتة . أيضاً تكابر قحت المركزي، وتمارس أسلوبها الخاص في السواقة، حيث تعمل على إنتاج حقائق تناسب حاجتها السياسية لا الواقع، فتختلق، وتتجاهل، وتضخّم، وتهوِّن، لتصنع واقعاً حربياً نقياً يسير على مقاس مصالحها السياسية، ولتنتج حقائق تحافظ على تحالفها مع المتمردين، وتخدم معاركها مع خصومها، الأمر الذي حوَّل السواقة بعد الحرب إلى احتقار كامل لعقول المواطنين، وهذا أدى إلى فشل السواقة، وارتداد الاحتقار للسواقين.
▪️ يعتقد المتمردون وحلفاؤهم في وجود مناطق ضبابية توفر فرصة للسواقة والإلغاء والتعديل والعكس لبعض الحقائق، لكن حقائق هذه الحرب مترابطة بشكل قوي ولا يمكن فصلها عن بعضها، والثابت كذبه منها يضيء على ذلك الذي يعتقدون أنه ضبابي . مثلاً كذبة محاربة الجريمة في مروي تضيء على كذبة مسؤولية الجيش عن إشعال الحرب، وكذبة الجيش الذي ينتحل صفة الدعم السريع ويحتل المنازل وينهبها تفضح كذبة توزيع المسؤولية بين الطرفين ، وكذبة تحرير المستشفيات من سيطرة “داعش” تضيء على كذبة مسؤولية النظام السابق عن الحرب، وكذبة “قوات حماية المدنيين” التي يعوق الطيران عملها تضيء على كذبة “قوات التحول الديمقراطي”، وهكذا .
▪️عدم رد قحت المركزي على الدعوى الرئيسية التي لا بمل المتمردون من تكرارها، أي تأكيدهم بأنهم يحاربون من أجلها ومن أجل مشروعها السياسي، وممارستها للسواقة التي تتماشى مع هذه الدعوى، والتي تشبه سواقة المتمردين، وترديدها لبعض أكاذيبهم، وصمتها وعدم تفنيدها لبعضها الآخر، يورطها أكثر في المسؤولية عن هذه الحرب ومآسيها، ويجعل حيادها وتبرؤها منها مجرد سواقة رديئة غير قابلة للتصديق .
▪️من يتابع تركيز قحت المركزي على تصوير الضربات الجوية وكأنها جريمة، ومساواتها بكل جرائم المتمردين، بل وتضخيمها أكثر منها، ودعمها لمطالبة المتمردين بحظر الطيران، من يتابع هذا، ويقارنه بموقف المواطنين من عمل الطيران، سيجد أن السواقة في هذا الموقف تتكامل مع السواقة التي يقوم بها المتمردون بتسمية قواتهم بقوات حماية المدنيين، إذ لن تكون الضربات الجوية هي جريمة الحرب الكبرى إلا إذا كانت القوات المستهدفة بالقصف هي فعلاً قوات لحماية المدنيبن التي يطمئن المدنيون بوجودها بينهم بلا إزعاج لها ولهم من الطيران ! وهذا التكامل في السواقة لا يقويها وإنما يضعفها ويضع قحت المركزي في موقف تسويق أكثر كذبات المتمردين سذاجةً وعدم قابلية للتصديق .
▪️ما وثقه جنود التمرد من داخل المنازل المحتلة وبثوه على مواقع التواصل يفوق، في حجمه وتأثيره، السواقة/ الدعاية عن تشكيل لجنة لمحاكمة محتلي وناهبي المنازل ميدانياً، وما وثقته الكاميرات من سرقات ونهب يفوق في حجمه وتأثيره بأضعاف مضاعفة الدعاية للأعمال الخيرية وتوزيع المسروقات من المواد الغذائية على المواطنين . واستخدام السيارات المسروقة في القتال، وما وثقه جنود التمرد من قوافل السيارات المنهوبة والخارجة من العاصمة، يفوقان في حجمهما وتأثيرهما الدعاية بخصوص إرجاع السيارات المنهوبة، وكل هذا يجعل السواقة فضيحةً إضافية تنفِّر الناس لا دعاية تقنعهم .
▪️ إذا أحصت قحت المركزي أرباحها وخسائرها من تحالفها مع الدعم السريع، ستجد أنها قد خسرت أكثر مما ربحت بكثير، مهما كان حجم الأموال المبذولة لها، فهي بهذا التحالف، وبمواقفها التي لا تغضب المتمردين، قد تحمَّلت جزءاً من الفاتورة الباهظة لجرائمهم، وقد اضطرت إلى نوع من السواقة معدوم الفائدة ويفضحها أكثر مما يخدمها، وكانت نتيجته خسارتها النسبة الأكبر من المواطنين الذين كانوا، على قلتهم، يناصرونها إلى ما قبل الحرب . وحتى ( لا للحرب ) لم تفلح في تقليل الخسائر، فهي عند غالب المواطنين سواقة رديئة يملكون من الأدلة ما يكفي ويفيض لإثبات أن الغرض منها إنقاذ المتمردين وتجنيبهم الهزيمة الكاملة.
كتب: أ. إبراهيم عثمان