الاعتقالات السياسية بالضفة.. لماذا تسارعت وتيرتها؟ ومن المستهدف؟
رام الله- بعد ساعات من انتقاده لنفي السلطة الفلسطينية وجود معتقلين سياسيين بسجونها، جرى الخميس الماضي اعتقل جهاز الأمن الوقائي الصحفي والناشط الفلسطيني عقيل عواودة في مدينة رام الله، دون الإعلان عن مبرر الاعتقال.
وتقول مجموعة “محامون من أجل العدالة” إنها تمكنت، أمس الجمعة، من زيارة عواودة في مكان توقيفه لدقائق، لتوقيعه على توكيل لمحامي الدفاع، معتبرة اعتقاله “إمعانا في انتهاك وقمع الحريات العامة”، ومحذرة من “مغبة التعرض للصحفي عواودة داخل مركز التوقيف”.
وأضافت -في بيان وصل إلى الجزيرة نت نسخة منه- أن تهمة عواودة هي “إثارة النعرات العنصرية” على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك استنادا لقانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل.
وفي حين اعتبرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين اعتقال الصحفي عواودة “انتهاكا جسيما لحرية الرأي وحق التعبير عنه”، قال “منتدى الإعلاميين الفلسطينيين” ومقره غزة، إنه يتابع “بقلق متزايد الانتهاكات المتوالية بحق الصحفيين في الضفة الغربية”.
مئات المعتقلين السياسيين
يفتح اعتقال عواودة مجددا ملف الاعتقال السياسي بالضفة الذي تنفي السلطة الفلسطينية وجوده، بينما تقول مجموعة “محامون من أجل العدالة” إنها تابعت منذ بداية العام ما يزيد على 300 ملف اعتقال سياسي، منها ما يقارب 80 ملفا منذ مطلع مايو/أيار الماضي.
وانتقدت المجموعة الحقوقية “مزاعم الناطق باسم الأجهزة الأمنية بعدم وجود أي حالة اعتقال سياسي”، مضيفة أن “عشرات المعتقلين من طلبة جامعات وناشطين وصحفيين ما زالوا معتقلين”.
وتابعت أن عشرات القرارات بالإفراج عن معتقلين صادرة عن المحاكم ولم تنفذ، داعية إلى “الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين السياسيين ومحاسبة المتورطين في ارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب وعدم تنفيذ القرارات القضائية”.
من أبرز المعتقلين؟
وفق قائمة نشرتها “محامون من أجل العدالة” الجمعة، فإن من أبرز المعتقلين السياسيين مصعب اشتية المعتقل منذ 19 سبتمبر/أيلول 2022، موضحة أن الأجهزة الأمنية ترفض الإفراج عن اشتية رغم صدور 3 قرارات قضائية بالإفراج عنه، وقرار آخر من المحكمة الإدارية يبطل توقيفه.
واشتية مطلوب لإسرائيل لنشاطه ضمن مجموعات عرين الأسود التي تتخذ من البلدة القديمة من مدينة نابلس مقرا لها، وفق مصادر الجزيرة نت.
وأضاف بيان المجموعة أن من بين المعتقلين طلاب جامعات بينهم رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت عبد المجيد حسن، المعتقل منذ 17 يونيو/حزيران لدى جهاز المخابرات في رام الله، ورئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت سابقا عمر الكسواني، المعتقل منذ الثاني من يونيو/حزيران لدى جهاز مخابرات رام الله، ومراد وليد ملايشة المطارد من قبل قوات الاحتلال، معتقل منذ الثالث من يوليو/تموز ومضرب عن الطعام.
انتهاكات موثقة
في هذا السياق، يقول مدير مجموعة “محامون من أجل العدالة” المحامي مهند كراجة، إن المعطيات التي تنشرها مجموعته والمشار إليها سابقا “لا تغطي كامل عدد الاعتقالات السياسية بالضفة التي قد تصل إلى ألف وأكثر”.
وفي حديثه للجزيرة نت، ذكر كراجة أن مجموعته تتابع فقط من يتوجه إليها، في حين يذهب مئات المعتقلين إلى مؤسسات أخرى أو محامين خاصين، مضيفا “فمثلا خلال 2022 تابعنا 400 حالة، لكن مجموع الحالات التي أُبلغ عنها 1270”.
ووفق الحقوقي الفلسطيني، فإن الأجهزة الأمنية تتعاون أحيانا مع تحرك المنظمات الحقوقية، متابعا “في كثير من القضايا نراسل مكتب النائب العام، وفي 90% من المراسلات لا نحصل على ردود، كما أن أكثر من 40% من قرارات الإفراج التي تصدر عن المحاكم لا تنفذ فورا”.
وعدد المتحدث الانتهاكات الموثقة بحق المعتقلين السياسيين، مثل عدم تنفيذ القرارات القضائية وحالات تعذيب وسوء معاملة وإعاقة عمل المحامين.
واختتم بالقول إن “الاعتقالات السياسية تستهدف بشكل واضح العمل النقابي الطلابي، خاصة بعد نجاح الكتلة الإسلامية في انتخابات مجالس الطلبة في عدة جامعات هذا العام”.
من المستهدف؟ ولماذا؟
يرجع أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأميركية في جنين سعيد أبو معلا تزايد الاعتقالات السياسية في الضفة إلى عوامل عدة، في مقدمتها تغول الأجهزة الأمنية بشكل عام، نظرا لتغييب الفعل السياسي من انتخابات ونشاط حزبي وممارسة تشريعية وغيرها.
وأضاف الأكاديمي الفلسطيني أن الأجهزة الأمنية تقرأ الأحداث والمواقف وحرية الرأي والتعبير بشكل مختلف عن المجتمع المدني، وترى فيها إزعاجا وتنغيصا بل وتعتبرها تهديدا، وبالتالي يكون اللجوء للاعتقال السياسي.
ويربط أبو معلا بين تزايد الاعتقالات السياسية وتنامي حالة النضال والمقاومة للاحتلال خاصة شمالي الضفة، مشيرا إلى استهداف صحفيين بسبب تغطيتهم حالة النضال التي تعارضها الأجهزة الأمنية.
وعن اعتقال عواودة، قال أبو معلا إن اعتقاله “يعكس حالة من حب الانتقام ورغبة الأجهزة في إسكات صوت المعارضين وعقيل أحدهم، مع أنه لم يقل شيئا جديدا وكثيرون يقولون ما يقوله، ومنهم أبناء حركة فتح”.
ويسرد المتحدث أسبابا يرى أنها تدفع لمزيد من الاعتقالات السياسية، من بينها “انتصار جنين (بعد اقتحامها من قِبل الاحتلال مطلع الشهر الجاري)، الذي خلق رغبة جديدة في سلوك القمع، انعكس في تصريحات مسؤولين حكوميين”.
وعن تفسيره لاعتقال طلبة فازوا في انتخابات لم تمنعها الأجهزة الأمنية، بل دعمت طرفا فيها، يقول أبو معلا “الجامعات مضطرة لإجراء الانتخابات، وهذا يحقق لها مساحة للتنفيس الداخلي ويخلق حراكا طلابيا، والأجهزة الأمنية تضطر للموافقة عليها وتضغط لفوز كتل بعينها، وعندما تعجز يكون موقفها حاد، وينعكس في اعتقال طلبة الكتلة الناجحة وهي محسوبة على حماس”.
السلطة: لا يوجد اعتقالات سياسية
من جهتها، تنفي السلطة الفلسطينية على الدوام وجود معتقلين سياسيين لديها، وتقول إن الاعتقالات تتم بناء على شكاوى ومذكرات قانونية.
وفي بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية، الخميس، قال المفوض السياسي العام، الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية اللواء طلال دويكات “لا صحة للإشاعات التي يتم تداولها حول قيام الأجهزة الأمنية باعتقال أشخاص على خلفية سياسية”.
وأضاف دويكات “لا اعتقال لأحد على خلفية انتمائه السياسي، والاعتقال أو التوقيف الذي طال بعض الأشخاص جاء بناء على مذكرات قانونية صادرة من جهات الاختصاص، بعد أن قدم بعض المواطنين شكاوى، وبناء عليه، جاء توقيفهم لاستكمال الإجراءات القانونية”.
وقال إن أصواتا “تحاول تعكير أية جهود لإسناد الحالة الفلسطينية باتهام السلطة الفلسطينية بتنفيذ اعتقالات سياسية في المحافظات الشمالية (الضفة)”.
سكاي نيوز
الجزيرة