لم يستمع الطرفين لنصائح رئيس حركة العدل و المساواة السودانية!
منذ اشتعال الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية و قوات الدعم السريع التي تمردت على الأولى بدخولها مطار مروي بشمال السودان في الثالث عشر من أبريل ، كان وزير المالية و التخطيط الاقتصادي د. جبريل ابراهيم الذي يرأس القطاع الاقتصادي في السودان يقوم بعمل دؤوب لمحاولة احتواء الحرب في السودان عبر مبادرة كانت قد بدأت فعلاً بلقاء الرئيس البرهان وحميدتي منذ أشهر، و كان حديث السيد الوزير بالحرف لكليهما أن أية طلقه تخرج من أيٍّ من الطرفين ستجر البلاد لدمار و خراب لا يحمد عقباه .
وفي لقاءاته بالرجلين في مارس وأبريل كان يبدأ حديثه دائماً بالهشاشة الأمنية والسياسية التي تعاني منها البلاد منذ 2019، وأن وضع الانتقال لا تنقصه تصعيدات عسكرية ضمن المنظومة العسكرية، وأنه من الصعب جداً احتواء أي تحرك عسكري من كلا الطرفين.
لم يستمع الطرفين لنصائح رئيس حركة العدل و المساواة السودانية والذي خاض الحرب ضد الدولة السودانية لما يقارب العقدين من الزمان، و فقد فيها منطقته التي ولد و ترعرع فيها “الطينة” والتي تم مسحها من على وجه الأرض في العام 2003 وهُجِّر أهلها إلي معسكر دوقوبا بدولة تشاد ، و أكثر من ذلك فقد شقيقيه الأكبر و الأصغر ، الأكبر المهندس أبوبكر إبراهيم و الأصغر د. خليل إبراهيم قائد و مؤسس حركة العدل والمساواة السودانية الذي قاد قواته في عملية جريئة في العاشر من مايو ٢٠٠٨ و التي موضعت الحركة سياسياً في موقف جديد جيوسياسياً أيًّا كانت التحليلات العسكرية و السياسية عن عملية الذراع الطويل أو عملية أمدرمان.
د. جبريل جاء إلى وزارة المالية في ظرف يمكن وصفه بالأسوأ اقتصادياً في السودان حيث يعاني السودان من مديونيات مُرحّلة منذ عقودٍ خمس وصلت ما يقارب ال٦٥ مليار دولار منها مديونيات بدأت بمليون دولار وتضخمت بالغرامات التمويلية لتصل مئات الملايين من الدولارات وفي بعض الأحيان المليارات، الكويت على سبيل المثال دينها على السودان تضخم عشرات المرات ليصل إلى حوالي 12 مليار دولار بدأت في بدايات ثمانينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري.
د. إبراهيم البدوي أول وزير مالية في حكومة الفترة الانتقالية التي ترأسها حمدوك قال أن خزانة الدولة شبه فارغة و نحتاج إلي مجهود ضخم لإصلاح النظام المالي والاقتصادي بالبلاد، و في عدة مقابلات بُثّت على تلفزيون السودان الرسمي أيّد البدوي خطة الإصلاح الاقتصادي المعروفة باسم “روشتة البنك الدولي” ، إلا أن الصراع القوي داخل الحرية و
التغيير تحديداً اللجنة الاقتصادية عرقل البدوي و أخاف رئيس الوزراء السابق د.عبدالله حمدوك من مغبة الذهاب في السير في ذلك الاتجاه، و كان صقور الشيوعي باللجنة الاقتصادية يعارضون خطوات حمدوك والبدوي تجاه مسألة الاقتصاد، وكان صدقي كبلو أبرزهم والذي ظل يعارض الإصلاح الاقتصادي إلي اللحظة.
حمدوك و مجموعته المسماة بالمزرعة كانت تؤمن بأنه لا مفر من تطبيق روشتة البنك الدولي و التي ستقود لفتح علاقات اقتصادية دولية مع السودان و لذلك دفعوا البدوي للمُضي قُدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن البدوي استمر في تردده و كما يقال في المثل الشعبي السوداني “رِجِل قدام و رِجِل ورا ” إلي أن تم سلام جوبا وتم تغيير حقيبة المالية لصالح العدل و المساواة وتبوء رئيسها الوزارة وشرع مباشرةً في تنفيذ سياسة حكومة حمدوك وأعلن الإصلاحات ونفذها و بدأ في مفاوضات جادة مع الدائنين في مسألة ديون السودان وجدولتها ومن ثم “تجسير الديون”، وواجه منذُ ذاك الحين حملة شرسة من اليسار واليمين وازدادت استعاراً عقب قرارات الإجراءات التصحيحية في الخامس و العشرين من أكتوبر 2021 والتي حلّ فيها البرهان جُلّ الوزارات فيما عدا وزارات مسار دارفور اتفاقية جوبا، و استمر د. جبريل في المفاوضات التي استعصت مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بسبب ما اعتبره المجتمع الدولي “انقلاب” على السلطة المدنية و تعطيل التحول الديموقراطي من قبل رئيس مجلس السيادة .
نعود لتمرد الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية والذي منذ الضربة الأولى في الخرطوم انتفى دولاب العمل الحكومي، ليس هذا فقط بل اختفت أيضاً قوات الشرطة السودانية من الساحة وامتدت الحرب خلال شهر لتصل دارفور وتحديداً الجنينة.
د. جبريل الذي نصح قائد الدعم السريع قبل الحرب بشهر في مأدبة عشاء بألا يسير في التصعيد الذي يسير فيه، وقال له بالحرف ستفقد كل شيء وسيعود السودان لمربع صفر، الحوار أفضل! لم يلتفت قائد الدعم السريع للمحاولات المكررة سواءاً من د. جبريل شخصياً أو عن طريق المبادرة التي بادر فيها القادة الثلاث بالكفاح المسلح (جبريل، مني، عقار) وأستمر في الحشد والتصعيد. جبريل كان يعلم جيداً ما هي الحرب و مالاتها ، و يعلم جيداً الأجواء النفسية التي تحيط بصُناع قرار الحرب و لذلك أكثر من المحاولات جيئةً و ذهاباً بين مكتبي البرهان و حميدتي بصمت و سرية كاملة، و لكن المحصلة كانت كما هو الحال الآن ، فالمخطط أكبر من قائد قوات الدعم السريع حميدتي وهو ليس سوى مُنفِّذ لمشروع و مخطط جيوسياسي تم تفويض دول بعينها و مراكز قوى محليه و دولية بتنفيذه ، و لا زال المخطط مستمر في ظل عدم توحد قوي الجبهة الداخلية السودانية التي من المفترض أن تسعى لتوحيد صوت السودانيين لمجابهة الخطر الحالي و القادم ، وهي الهشاشة الاجتماعية التي تجعل تبدل المواقف بين الكيانات الاجتماعية سيد الموقف و يعتمد على طبيعة المعارك بين القوات المسلحة السودانية و الدعم السريع و نتائجها على الأرض .
ذهب جبريل لبورتسودان في نهاية شهر أبريل الماضي ، وكان صاحب فكرة خلق لجنة تدير العمل الإنساني و دولاب ما تبقى من وحدات الدولة الفاعلة من ثغر البلاد على البحر الأحمر ، ووجدت فكرته كل ترحاب من رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أوّل عبدالفتاح البرهان ، و لحقه بعدها الأستاذ أحمد آدم بخيت وزير التنمية الاجتماعية ثم وزير الصحة د. هيثم و
وزير الأوقاف، وكل هؤلاء جاءوا على فترات مختلفة إلي أن تم تفعيل عمل اللجنة ومنذ ذاك الحين خلق وزير المالية جواً من التفاعل مع المجتمع الدولي وتحركت المنظمات و الدول الداعمة للسودان للتعامل مع الوضع الإنساني عبر اللجنة الحكومية التي أسسها جبريل، و شهدت مدينة بورتسودان حراكاً مُكثفاً على غير العادة حتى أن بعض وسائل الإعلام أعلنتها عاصمة إدارية (و ذلك غير صحيح)، و كل ما يشاهد الآن من عون إنساني كان نتيجة المجهودات المستمرة التي بدأها د. جبريل في مايو الماضي ، و رغم كل الدمار المشاهد الآن إلا أن جبريل و مكتبه بالتعاون مع محافظ بنك السودان الجديد بُرعي استطاعوا على سبيل المثال حماية النظام المصرفي و الذي أعلن بنك السودان البارحة أنه تمكن من تشغيل نظام المقاصة مع جميع البنوك . كما لا ننسى الدور السياسي المنوط به من قبل د. جبريل والذي ظل يعمل بنشاط وهمة منقطعتي النظير للمحافظة على موقف اعتبره كثيرين أنه خاطئ ولكنه التزم بموقف جنّب دارفور نسبياً من مغبة نشوب حرب عرقية شاملة واسعة عابرة للحدود، ولا ننسى أنه غرّد بعد مقتل خميس أبكر بتغريدة مطالباً الدعم السريع بالكشف عن قتلة خميس إن لم يكن هم الفاعلون.
و لكن تاريخ جبريل المليء بالتحديات مستمر، وهنالك حملة منظمة ضد جبريل من عدة جهات تجعل من الرجل مرمى لكل فشل تراكمي في الدولة السودانية، وهنالك أيضاً حملات عرقية مبطنة لا تنظر إلي جبريل إلا ك “غرّابي” متفلسف و هذا مردود عليه ، إلا أن الحملات الأخيرة اتسمت بمتلازمتي سذاجة وغباء أوغلت في الاستخفاف بعقل المواطن السوداني ، كالأوراق المزورة التي تخرج من مكتبه و يتم تعديلها بتطبيقات “فوتوشوب” و يتم تزييف القرارات لخلق “ترند” ضد جبريل و ما هي إلا سويعات و تخرج المالية بنفي الحديث كتسليم مالك عقار خمسة ملايين دولار مصاريف سفر و التي لم تنطلي حتى على معارضي جبريل و رد عليها مستخدمو التواصل الاجتماعي عبر عدة منشورات . ومن المؤكد أن هذه التلفيقات حول جبريل لن تتوقف، لأنه يعمل في صمت وثبات وكما أجاب هو لصحفيين بهامش إحدى المؤتمرات الصحفية بمنبر سونا، كيف تتحمل ما يكتب عنك، فرد نحن نعمل فقط ووزارة المالية وزارة فنيّه ولذلك “جِلِدنا تخين”.
النموذج الذي قام جبريل بتصميمه ببورتسودان لإدارة أزمات البلاد نموذج معقد في ظل الحرب الدائرة، ولا يمكن لحكومة ان تستمر في هكذا ظروف، إلا أن اللجنة الإنسانية تعمل في ظل الظروف المذكورة، ولذلك القوى السياسية التي تنوي تدمير البلاد لن تتوقف عن مهاجمة جبريل الذي دائماً ما يأخذ زمام المبادرة لحماية الوطن ويأتي بأفكار ويتسامى فوق الضغائن وينظر للأمام، ولا يمكن لعاقل أن ينكر أن من قام بالخطوة التي ترددت فيها حكومة حمدوك خوفاً من شلة كبلو هو جبريل إبراهيم والذي تحمل عبء ذلك هو وحركته.
الآن أحد نتائج عمل جبريل التي ينتظرها كثير من السودانيين العالقين بحلفا والعديد من المدن الحدودية ، مصنع الجوازات الذي سيبدأ العمل فعلاً خلال أيام و من المتوقع أن تحل عدة إشكالات للمواطنين وخصوصا الذين يعانون من أمراض و ظروف صحية معقده و في حاجة للسفر، أما موضوع المرتبات فهو يحتاج لوحدة حسابات و استقرار كامل لموظفي الحسابات بالوزارة و بنك السودان بالإضافة للعامل الأهم و هو المال في حد ذاته و الذي يذهب جله في دعم القوات المسلحة التي تحارب تمرد قوات الدعم السريع المغطاة بحواضن سياسية و مشروع جيوسياسي عريض .
سامي عبد المحسن – أستراليا
الصفحة الاعلامية لحركة العدل والمساواة السودانية