رأي ومقالات

صديق محمد عثمان: الويل لكم من غضبة الدولة الجريحة

– في ١٨ نوفمبر ١٩٦٥ وقف الطالب شوقي محمد علي في ندوة جماهيرية موجها خطابا مستفزا جدا لمشاعر الجماهير التي كانت تتابع الندوة ( ايوة انا شيوعي .. وملحد كمان) وكانت كلماته هذه موجهة لهمهمات الاستغراب وصيحات الاستنكار لحديثه عن بيت الرسول الكريم الموبوء بالزنا حسب وصفه.

– كان شوقي شابا يافعا غراً يعبر عن الحجة الوضيعة التي ترددها جماعات اليسار والعلمانيين عموما في تبرير الزنا من خلال وصفه ( اقدم مهنة عرفتها البشرية ) والتي تلخص رؤية اصحابها للبشرية والتاريخ البشري.

– ولكن شوقي محمد علي ايضا كان يمثل الصوت الساذج للشعارات الاقصائية المنكرة التي ملأت بها جماعات اليسار فضاء ثورة اكتوبر ١٩٦٤ منادية باقصاء ( القدامى) عن الزعامة ليس عبر تطور اجتماعي ديمقراطي وانما باسم الشرعية الثورية، ومن بين القدامى طبعا قادة المجلس العسكري لانقلاب نوفمبر ١٩٥٨ والذين كانوا قد توصلوا الى اتفاق مع قادة سياسيين مدنيين قضى بتسليمهم السلطة الى حكومة انتقالية دون اراقة دماء مقابل ضمان معاملتهم معاملة كريمة تليق برجال دولة حكموا السودان بانجازاتهم واخطائهم.

– كانت حادثة شوقي محمد علي القشة التي قصمت ظهر الحلم والصبر وامتحنت قدرة مفردات الدولة والمجتمع على تحمل المزيد من الاساءة والاحتقار لكل ما يعتقد فيه ويؤمن به العقل الجمعي للدولة والمجتمع، فخرجت الجماهير تحاصر منزل الزعيم اسماعيل الازهري تستنجد بابي الاستقلال لنصرتها على هذا التطاول وفي اليوم التالي كان الازهري على راس الجماهير التي حاصرت البرلمان الذي قرر حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه.

– وبدلا من الهدوء والجلوس والتامل في الحادثة وقراءتها ضمن سياقها ومن ثم مقاربة هذا السياق بما يستحقه من المراجعة والنقد والتوبة، فان جماعات اليسار والعلمانيين حاولت التذاكي بالاحتماء بمؤسسات القانون والاستنجاد بالقاضي بابكر عوض الله الذي انتزع الحادثة من سياقها الموضوعي وحاول تطبيق القانون بطريقة ( جربندية) ليقضي بعدم ( دستورية ) حل الحزب الشيوعي

– وجربندية بابكر عوض الله نال عليها مكافاة فورية حينما حشدت جماعات اليسار الشيوعي والقومي العروبي في انقلاب مايو ١٩٦٩ ونصبته رئيسا للوزراء ولسان حالها يقول للمجتمع ( نبيعكم جميعا ونشتري بكم رجل واحد … فنحن مثل اخواننا الراسماليين نومن بان الرجل “الثوري” خير من امة من الرجعيين ). وبالفعل كان الشعار حينها ( لن تظل الخرطوم جزيرة رجعية في محيط ثوري هادر ) هكذا .

– اما جربندية اليسار والعلمانيين فسوف تظهر في قرار حلهم لحزب اخر ومصادرة ممتلكاته وحظر نشاطه السياسي علما بانهم ليسوا برلمان ولا منتخبين !!

– وخلال ثلاثة اعوام ما بين مايو ١٩٦٩ ويوليو ١٩٧١ تعرضت الدولة السودانية الى قدر وافر من الاهانة والاذلال ضربت خلاله دور العبادة في ودنوباوي وهدمت الجسور والقصور والبيوت في الجزيرة ابا وحوصرت جامعة الخرطوم بالمدرعات وخلال كل هذه الاحداث كانت قوى اليسار تشكل الكورال الذي يهتف ( قالوا للامام خليك هادي .. قام ابا) و ( لا منفى بل اعدام ) بحق الامام الصادق المهدي الذي سير اعضاء في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مسيرة امام السيارة التي اقلته الى مطار الخرطوم في طريقه للمنفى في القاهرة وكانوا يرددون الهتاف السابق ( لا منفى بل اعدام ).

– لا يهم كم من المجتمع يسوءه ويحزنه الظلم وسوء المعاملة والتطاول على رموز دينية وسياسية واجتماعية كالامام الهادي والامام الصادق المهدي.

– وكانت محاكمات الشجرة لقادة الحزب الشيوعي واحكام الاعدام بحقهم مجرد لفت نظر من الدولة الجريحة لهذا التيار من القوى الحديثة المنبتة عن مجتمعها ولكن من يقرأ ؟!ومن ينتبه ؟
– فخلال الفترة الانتقالية التي اعقبت سقوط حكم مايو في ابريل ١٩٨٥ شاهدنا هذه القوى من جديد تملأ الفضاء بالقبيح من الافعال والمنكر من الافعال بلغ بها حد مناصرة بندقية قرنق الذي رفض الاعتراف بانتفاضة الشعب واستهزأ بنتايجها تمرينها الديمقراطي واصفا اياها ب ( مايو 2)، بل بلغ الامر بهذه القوى محاولة الانقلاب مجددا من داخل الجيش لقيادة الجيش نفسه للاستسلام لبندقية قرنق، لذلك يخطئ من يظن ان تصريحات نشطاء قحت الحاليين بشان ( دمج الجيش في الدعم السريع ) مجرد ذلة لسان وقد رددها اربعة منهم في مناسبات مختلفة.

– ومرة اخرى كانت الدولة رحيمة جدا بعد انقلاب الانقاذ بأن سمحت بعودة هذه الكيانات بل واستيعابها في العملية السياسية لاحقا .

– وبسقوط حكومة الانقاذ انكسرت الجسور وانهمر سيل من الاهانات مجددا للدولة السودانية لا يمكن حصره ولا عده من تصريحات جاهلة وافعال فاسقة ويمكن للانسان حشد مجلدات بتصريحات مناهج القراي الذي يرى بان سورة الزلزلة تمثل سقوطا مرورا بمحمد الامين التوم الخبير التربوي الذي يصرح بان الشهادة السودانية مهزلة اكاديمية ويفتي بان المرأة السودانية معقدة نفسيا لانها مصابة بعقدة الخجل من جسدها لذلك تحاول ملاحقة ثوبها اذا سقط عن اجزاء من جسمها … هكذا .

– وبدلا عن شوقي محمد علي واحد في الستينات انطلق جيش من الجهلاء والسفهاء والجاحدين يركل الدولة السودانية من كل جانب وامتلأ الفضاء بشعارات ( معليش معليش … ما عندنا جيش ) وهتافات ( حميدتي الضكران ) ومرة اخرى قوبل حلم الدولة وكياناتها ومؤسساتها وقطاعاتها بالاحتقار وسوء الخلق وتعمد الاهانة والتمادي في اشعال فتيل النار في اطراف فستان الدولة وهي تلملمه عليها.

– في الثمانيات هرولوا صوب قرنق حتى يسرع لتعليم الشعب والدولة معاني الديمقراطية وفي هذه المرة ذهبوا الى الامم المتحدة لتساعدهم في تفكيك موسسات الدولة والمجتمع على حد سواء … كانت جحافلهم تدخل مخازن دانفوديو وكورنثيا هوتيل وشركة الراجحي بذات المنهج الذي دخلوا به مسجد ودنوباوي والجزيرة ابا في السابق وكانت قياداتهم تردد ذات الهتاف الاخرق الذي كان كمال الجزولي ومرتضى احمد ابراهيم يرددونه في السبعينات ( سنجعل بيوتهم بيوت عزاء ) اليس هو ذات الهتاف ( ان نغرس في الصدر الخنجر .. اصبح اسهل من القاء تحية ) و ( الترابي لن يرى النور مرة اخرى ) و ( لا منفى بل اعدام ).

– لاربعة اعوام ظللنا نكتب ( اتقوا غضبة الحليم) … لاربعة اعوام ظللنا نذكر بعبر التاريخ القريبة ونرجوكم ( لا تحولوا مجتمعنا الى اسد جريح ) ودولتنا الى نمر غاضب … ولاربعة اعوام ظلت جحافل التتار اليساري العلماني ثملة بخمر الغرور والجهل السياسي ومحدودية العقل الاجتماعي.

– انتهى زمن التحذير والنذارة وفاتت كل فرص البشارة واكتملت اشراط العقاب وبلغت احقيته النصاب، وسوف ترون كيف تنتقم الدولة الجريحة لكرامتها وشرفها … ومهما اسرفت وتوسعت وتمادت فلن يملك كائنا من كان ان يلومها او يتشفع عندها فلم يترك السفهاء كرامة لشفيع او ولاية لحكيم!!

صديق محمد عثمان