السودان 2056 وسارقي الأحلام
سارقي الأحلام: أكبر ناس بيسرقوا أحلامك هم الناس البيقول ليك بعد الحرب دي نعمل فترة انتقالية تقودها حكومة كفاءات مستقلة. ديل هم العدو فأحذروهم. ديل نفس الناس الفي الاستقلال كانوا بيقولوا تحرير لا تعمير. بارعين في إنهم يسرقوا المنية في لحظة عشم كما برعوا في تحويل أي انتقال مرت به الدولة من منطق التسوية التأسيسية لمنطق المساومة السلطوية، من انتقال ٥٤ ولحدي انتقال ٢٠١٩. بعد الحرب دي مفروض نقعد القعدة المؤجلة من الاستقلال لإنجازات توافقات تأسيسية وإجماعات كبرى صلبة عادلة شاملة ومستدامة تأسس دولة عجزنا عن استيعاب عظمها كسودانيين خلال سبعين سنة أو تزيد.
دولة وشعب ثبت إنهم أكبر من طاقتنا ووعينا على استيعاب تنوعه واحترامه وإطلاق ممكناته وتحرير قدراته. إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام، وهذا السودان ثبت أنه أكبر منا وأعظم من أن نستوعبه، وأعظم ما فيه تنوع إنسانه وتعدد مشاربه. كيف لا وهو الدولة الأعقد تنوعا وتعددا في أفريقيا والوطن العربي. مبسوط السهل ومتعدد المناخات وغني الموارد يجري فيه النيل من أوله إلى آخره مطل على البحر الأحمر وبخريطته الكاملة (بوحدة طوعية مع الجنوب) عندو مؤهل ما بسيط ليكون الدولة الأبرز في أي كونفيدرالية أفريقية ولا حتى شرق أوسطية.
الطريق إلى تحرير هذه الأرض والشعب يبدأ من التوافق على احترام وإدارة تنوعه وتعدده والاستفاده كمصدر قوة ناعمة وصلبة لبلاد نور إن هي قررت أن تنطلق فحدودها الشمس وماها بعيد.
هذه الحرب فرصة للخروج من أزمة عدم الوعي بالأزمة. فرصة تبدأ من تعريف مشكلة هذه الدولة كدولة لم تؤسس بعد لأن شعبها لم يعقد العزم على التوافق على إجماعات كبرى مؤسسة لعقده السياسي الاجتماعي ونظرية أمنه القومي وخطة تحوله الصناعي وحوكمة لا مركزية ناجعة وراسخة لجغرافياه السياسية. فرصة تبدأ من تعريف المشكلة كمشكلة بدأت في ١٨٢١ واستغلظت في ١٨٩٨ يوم حطت جيوش الاستعمار على هذه الأرض وعقدّت اجتماعها السياسي بجهاز دولة حديث قائم على إذلال إنسانه واستغلال موارده؛ جهاز ولد فاقدا للشرعية والمشروعية، آلة عنفه مصممة لإرهاب إنسانه ليست لحمايته؛ ومنطق ضريبته الجباية وليس الخدمة؛ ومنطق نظمه السياسية سلطوي وليس ديمقراطي ومنطق نظمه الاقتصادية استخراجي وليس تنموي.
إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي أفرزته ثورة ديسمبر وحرب إبريل هو الواقع الذي لو أصبحنا عليه غداة الاستقلال لكان سيسمح ببذر المعاني السياسية الحقيقة التحريرية لهذا الشعب وهذه الأرض. ولكننا للأسف استيقظنا على دولة زائفة مؤسساتها مستزرعة وليست مستولدة من بنات اجتماعنا وخيالنا. فقد تركنا الاستعمار بمدن وشوارع ومؤسسات وسكة حديد ومؤسسات تعليمية أكبر منا حداثة وفوق حداثتها علينا هي مصممة لاستعمارنا وليس لتحرير ممكناتنا. واقع كموفلاج بذر معاني سياسية زائفة لتعالج واقعا ليس حقيقيا بأفكار ليست حقيقة. سودان ما بعد حرب إبريل لن يسمح بمعاني مستجلبة ولن ينتج إلا نخبة عضوية. لأننا اليوم بكسب أيدينا ولخيرنا دمرنا سودان محمد علي باشا وغردون باشا الزائف وبلغنا سوداننا الذي يشبهنا بخيره وشره. هذا السودان الذي بلغناها هو ما سينتج شعراء وأدباء ومفكرين وسياسيين واقتصاديين واجتماعيين ونفسانيين من بنات أفكار هذا الواقع الماثل وليس من بنات أفكار أي واقع زائف. هذا السودان الذي بلغناه اليوم هو سودان الأزمة الذي سينتج وعي فهم الأزمة ووعي الخروج من الأزمة.
من هنا نبدأ: أن نجمع على أن نتفق على تنظيم خلافتنا وتنظيم كراهيتنا وصراعنا السياسي والاجتماعي. ليس المطلوب أن نحضن بعضا ولكن المطلوب أن نؤسس لوطن يحضننا ويحتضننا بتنوعنا وخلافتنا. تلك هي الفكرة التي ينبغي أن تتملكنا حيث لا إقصاء إلا للإقصائيين ولا تسامح إلا مع اللامتسامحين. أولئك قوم أذاقونا الأمرين وما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أدناهما؛ يفجرون في الخصومة ولا يألون في مخالف إلا ولا ذمة، دأبهم استخدام عنف الدولة للإقصاء والإخضاع. هؤلاء هم أعداء أحلامنا وسارقيها. وديل ما أعدائنا كأشخاص ولا مؤسسات لكن كأفكار ومواقف. سودان ما بعد حرب إبريل لا ينبغي أن يكون فيه مكان لذلك الفكر وتلك المواقف.
#السودان٢٠٥٦
#SuDan2056
عمرو صالح ياسين