حميدتي ظل جزءا من نظام البشير وكان يد النظام الباطشة لمحاربة حركات الهامش
مقال التعايشي الأخير وقبله مقال عزت الماهري جزء من محاولات إعادة تسويق حميدتي بأيديولوجيا جديدة؛ يتم تصوير حميدتي كبطل يقاتل من أجل المهمشين. الخطاب المسجل الأخير لحميدتي بدأ يخرج من إطار ديسمبر ليتكلم عن دولة 56؛ محاولة جديدة لتجييش الهامش في صف المليشيا بعد فشل أكذوبة الديمقراطية والثورة.
حميدتي ظل جزءا من نظام البشير وكان يد النظام الباطشة لمحاربة حركات الهامش التي كانت ترفع شعارات العدالة والمساواة. لم ينحاز لها حميدتي ولكنه عمل مع النظام وظل يدافع عن البشير حتى العام 2019. بعد الثورة قرر الانقلاب على البشير ولكن ليس لمصلحة الهامش، وإنما لمصلحة آل دقلو.
بعد ديسمبر ظل حميدتي يتمدد عسكريا واقتصاديا وسياسياً؛ حاول في البداية استمالة القوى التقليدية وتبنى توجها اسلاميا، ثم ركب موجة الثورة بعد توقيع وثيقة كورنثيا، وظل مسجونا طوال الفترة ما قبل 25 اكتوبر 2021 في شعارات وخطاب ديسمبر وأفقها البائس، ثم بعد 25 اكتوبر بفترة قصيرة عاد وتحالف مع أحزاب قحت مرة أخرى، ولم يظهر أي توجه نحو قضايا العدالة وحل مشكلة الدولة السودانية ما بعد الاستقلال. كان منسجما مع أفق حلفاءه في قحت، تلك الأقلية التي تريد حكم السودان بمركزه وهامشه بالتحالف مع الدعم السريع، ويبدأ التاريخ السياسي بالنسبة لها في العام 1989؛ ولا ترجع للوراء أكثر من ذلك، كل شيء يبدأ من 1989، من الإنقاذ.
كان بإمكان حميدتي ومثقفو المليشيا أمثال التعايشي ويوسف عزت أن يطرحو أجندة التسوية السياسية الشاملة ومناقشة كل قضايا السودان منذ الاستقلال (لا من 1989)، كان بإمكانهم الضغط على حلفاءهم في قحت وفتح المشاركة السياسية وعقد تسوية سياسية حقيقية وشاملة؛ ولكنهم اختاروا التماهي مع خطاب قحت ومواقفها لأنه الطريق السريع والسهل إلى السلطة.
حميدتي لم يكن يسعى للإصلاح الحقيقي، فهو أكبر متضرر من هذا الإصلاح. صنع إمبراطورية مالية وعسكرية ضخمة؛ له شركات تعمل في مختلف المجالات وعلى رأسها تعدين الذهب وله جيش ظل يتمدد ويكبر لا لكي يندمج في المؤسسة العسكرية ولكن لكي يبتعلها.
الاتفاق الإطاري والعملية السياسية المترتبة عليه لم يكن الهدف منهما جلب العدالة والمساواة إلى الشعب السوداني، فالاتفاق سكت عن شركات واستثمارات الدعم السريع و عمل على تكريس استقلالية قوات الدعم السريع عن الجيش وعلى منحه سنوات إضافية ليتمدد فيها ويبتلع كل شيء. لقد كان حميدتي ومعه مستشاروه الذين لا يعملون كمناضلين ولكن كموظفين مع شخصه، يعملون تحته برواتب ويدورون في فلكه؛ كلهم كانوا مسجونين داخل إطار ديسمبر بأفقها الضيق، ولم يفكروا بشكل جدي في أزمة السودان ككل. العدالة بالنسبة لهم، مثلما هي بالنسبة لحفاءهم تعني أن يحكموا هم ويبعدوا الآخرين.
حميدتي يقول إن الحرب فُرضت عليه ولكنه ظل يحشد قوات وعتاد وذخيرة داخل الخرطوم منذ شهور قبل اندلاع الحرب، كان يستعد بالتنسيق مع حلفاءه على فرض الاتفاق الإطاري إما سلما أو بقوة السلاح، وفي النهاية هو الذي بدأ الحرب منذ أن أرسل قواته لاحتلال مطار مروي قبل يومين من اشتعالها في الخرطوم.
وعلاوة على ذلك فقد جعل حميدتي من نفسه وقواته أدوات في يد قوى خارجية لديها أجندات في السودان؛ أجندات ضد مؤسسة الجيش، وضد الإسلاميين، وهو يحارب بالإنابة عن هذه القوى ويطرح نفسه كعميل داخلي، والهدف ليس قضية الهامش ولكن الوصول إلى السلطة.
على أية حال، فقد ولى زمان احتكار صوت المهمشين بواسطة عشيرة معينة. فحميدتي لا يمثل مهمشين السودان، ولا حتى دارفور بل ولا حتى عرب دارفور ولا قبيلة واحدة منهم. هذه حرب آل دقلو وأتباعهم وهدفها كان وما زال هو المزيد من التمكين لآل دقلو وعشيرتهم، ولقد تحالفوا من أجل هذا الهدف مع قوى خارجية معادية للسودان ولسيادته واستقلاله وأصبحوا بذلك مجرد عملاء وخونة.
عمليا على الأرض تمثل ممارسات المليشيات القبلية التابعة لآل دقلو من نهب وتدمير وقتل واغتصاب أكبر دليل على طبيعة المشروع الحقيقي لحميدتي ومن معه؛ مشروع تدميري بامتياز يستهدف الدولة السودانية والشعب السوداني، وهو لا يحمل أي إمكانات للبناء أو التقدم خطوة واحدة للامام في اتجاه الشعارات التي ترددها أبواق المليشيا. هذا الهراء لا يصدقه أحد ولن يصدقه أحد.
لقد هُزم مشروع حميدتي السياسي وانتهى للأبد، والمتبقي الآن هو استكمال هزيمته عسكريا بعد أن أصبح مجرد كابوس أمني يتوق كل الشعب السوداني للتخلص منه وحتما سيتخلص منه.
حليم عباس