رأي ومقالات

هشام الشواني: حول تقرير (بعثة الأمم المتحدة يونيتامس بالسودان لمجلس الأمن)

* يوم الإثنين ٢٢ مايو قدم السيد فولكر بيرتس إحاطة وتقرير لمجلس الأمن، وقد شمل التقرير تفاصيل ما قبل الحرب منذ ١٩ فبراير الماضي وما بعدها حتى ٦ مايو.
* وقبل سرد بعض الملاحظات على التقرير نُذكر بأن أجل بعثة يونيتامس المُجدد في العام الماضي سينتهي يوم ٣ يونيو المقبل، وتحتاج لقرار تجديد جديد، وذلك شأن آخر سنعود له وقد ذكرنا كثيرا أن هذه البعثة الأممية خطيرة على البلاد، في وجودها وفي شخصية رئيسها فولكر بيرتس. وأضعف الإيمان تغيير هذا الرجل.
* التقرير يُقدم وجهة نظر فولكر بيرتس للأوضاع، وهو أقرب لسرد مُنحاز منه للعرض الموضوعي، فمثلا ومن كل خطابات البرهان وحميدتي قبل الحرب، اختار التقرير خطابين محددين لكل منها، ذكرا فيه مفردة (انقلاب) في سياق الحديث عن ٢٥ أكتوبر، وقد رأى ذلك شأنا مهما يستحق الذكر في تقرير مجلس الأمن. والسؤال: ألا توجد في خطابات كلا الرجلين أمور أكثر أهمية من هذه المفردة؟ أمور ذات صلة بالسياسة والحرب والاتفاق الإطاري….الخ
* خلال كل التقرير يمدح فولكر بيرتس الورش السياسية التي قامت في الخرطوم، ويتمادى في مبالغات مثل: (مشاركة ممثلي شرق السودان) (عدد كبير من أجل توسيع المشاركة) وإلى آخر ذلك من العبارات التي تُضلل مجلس الأمن وأعضائه، فالرجل كاذب حقيقي لكنه أكد بشكل واضح أن تمويل تلك الورش كان من البعثة الأممية يونيتامس.
* حديث الرجل عن الحرب بعد ١٥ إبريل مُذهل حقا، ففي الجانب الإنساني يتحدث فولكر عن انتهاكات يقوم بها الطرفان وحين يخصص الدعم السريع يقول (رجال يرتدون زي الدعم السريع) أمر محير وعجيب. فلقد خرجت بيانات وإفادات مؤكدة من عدة منظمات بما فيها برنامج الغذاء العالمي وأكدت أن من قام بقتل الموظفين وسرقة العربات ونهب المقرات هم جنود يتبعون للدعم السريع. مالذي يدفع هذا الرجل لذكر عبارة (رجال يرتدون زي الدعم السريع) وقد كان قديما ينسب كل انتهاك مباشر للشرطة أو الجيش ولا يقول عبارة (رجال يرتدون زي الجيش ادأو الشرطة)
* لم يُعط التقرير الاعتداءات الجنسية والاغتصابات التي قام بها جنود الدعم السريع في حق النساء والفتيات حقها المناسب، فهي جريمة كبيرة والعالم كثيرا ما يُركز على هذه الجوانب، تخيلوا أن تقرير فولكر يذكر مفردة النوع والجنسانية في سياقات عديدة ولا يعطيها القدر الكافي في جرائم مثل الاغتصابات والتي تقف مئات الشواهد عليها وحين يذكر محاولة الاعتداء على ثلاث موظفات أجنبيات يصمت عن الجهة الفاعلة وهي حادثة معروفة قام بها جنود الدعم السريع. إن حالات الاغتصاب ومحاولات الاغتصاب التي قام جنود الدعم السريع تحتاج إدانة أكبر بكثير مما ذكر في التقرير وبضرورة تسمية الجهة مباشرة دون تردد.
* كان التقرير منحازا في وصف طبيعة الحرب فقد سعى بكل ما يملك لوصف سلوك الجيش بالعشوائي، وتجاهل بشكل كامل ذلك الحذر الواضح والذي يراه كل العام في قصف الطيران وسعي الجيش لحماية المدنيين، وتجاهل الرجل احتلال مليشيا التمرد لبيوت المواطنين وللمستشفيات وجعل المدنيين دروع بشرية، تخيل عزيزي القارئ أن التقرير لا يحكي عن هذا الأمر إطلاقا !!!
* تقرير مُضلل أيضا في وصف الجوانب الإنسانية وحالة حقوق الإنسان وحين تقرأه تفهم أن الطرفين يقومان بذات الأفعال، بل قد تجد نفسك منحازا للتمرد بسبب أن فولكر بدأ تقريره بذكر أن حميدتي اعتذر عن الانقلاب.
* بقية الأهداف التي تهتم بها البعثة لا تقدم فيها فالرجل حصر كل مهمته فقط في هدف فضفاض يسمى دعم الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، فأصبح كحزب سياسي أجنبي يعمل داخل حقل السياسة السودانية المحلية.
* فولكر بيرتس والبعثة الأممية جزء من الأزمة، وسبب رئيس في ما آلت إليه الأمور، فالاتفاق الإطاري والمجهود الكبير الذي كان مركزه هذا الرجل من أجل تسويق اتفاق معزول ومعيب، وتمثيله لرافعة أجنبية لحلفاء محليين لا وزن لهم ولا شرعية، كل ذلك زاد من تأزيم الأمور في البلاد، وعليه فإنه لا يصلح لأن يكون جزء من الحل والطريق نحو التحول الديمقراطي بل هو عقبة حقيقية لذلك.
لابد حقا من مجهود كبير لكشف هذه التجاوزات الموضوعية التي تقوم بها البعثة الأممية في السودان، ولابد من عمل دبلوماسي ذكي ومكثف من أجل تصويب مهمتها وتأطيرها بالشكل السليم وقد يبدأ الحل بتغيير شخصية هذا الرجل المتغطرس.
ملاحظة جانبية وهي أن فولكر بيرتس بدا مضحكا حين ظهر في جلسة المجلس من دون حلق لحيته ولا تهذيب مظهره وكأنه يقول لنا: أنا البطل الأممي الخارج من أتون حرب البرابرة، أنا الموظف المتضامن مع الشعب رغم كل المخاطر، أنا مشغول جدا للحد الذي لم أجد فيه الوقت الكافي لتهذيب لحيتي. كليشيه رخيص من رجل قضى أيامه في مدينة بورتسودان تحت حماية الجيش.
* أخيرا:
سيجتهد فولكر بيرتس وبعثته ومن خلال ما يُسمى بالآلية الثلاثية لإيجاد مدخل في عملية التفاوض بجدة، وسيعمل بكل ما أوتي من قوة لذلك بحيث يحول دفة التفاوض من أمني عسكري إنساني ويوجهه نحو عملية سياسية وربما عبر منصة جديدة. فالرجل منزعج حقا من منبر جدة ومن تلك العملية التي لا يكون هو جزء منها. وعلينا التنبه واليقظة والحذر فأدوات هذا المشروع الأجنبي الخطير قوية ولكننا على ثقة من ثلاثة أمور:
أولا: يقظة شعبنا ووقوفه مع الجيش حتى النصر، ثانيا: تماسك جيشنا ووحدة الهدف بكسر شوكة هذا التمرد الذي بدأ في خرق الهدنة قبل بدايتها بأربع ساعات وذلك حين خرج قائده وطالب جنوده بمواصلة القتال حتى الموت، وثالثا: نباهة وجدية الدبلوماسية السودانية العاملة في الخارج. ووفق كل ذلك فقد وجب أن يكون الحذر عاليا والمجهود مضاعفا في جوانب التأييد والمساندة والميدان والسياسة والدبلوماسية، وبإذن الله سيتحقق النصر ونصل لتلك النقطة التي نُسميها (كسر الشوكة)
والله أكبر والعزة للسودان

هشام الشواني