سياسية

وساطة صينية في السودان.. غير مستبعدة عند نضوج ظروفها

مع نهاية الأسبوع الثاني للاشتباكات العسكرية في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما زال تحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقتصراً على محورين: إجلاء الرعايا من الخرطوم والسعي لتعزيز صمود وقف إطلاق النار، وإذا أمكن تمديده، ولو أنه هشّ ومهدد بالانهيار.
وزارة الخارجية في إحاطتها الصحافية أمس الجمعة، قالت إن هذا هو “هدفنا في الأيام الثلاثة القادمة”، متحدثة بكثير من التكتم حول الاتصالات “العديدة” التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومعاونوه مع “الجنرالين” البرهان وحميدتي، من دون الدخول في التفاصيل ولا في مدى “تجاوبهما” مع مطلب التمديد المؤدي إلى الكف عن الأعمال العدائية بينهما، حسب نائب الناطق فيدنت باتيل.

وأعرب هذا الأخير عن “الأمل بأن يبقى كلاهما في حالة تواصل معنا” لتحقيق هذا الغرض كما قال. ضبابية كلامه تركت الانطباع بأن واشنطن لا تحمل حتى الآن مشروع حل للأزمة. تكتفي بالسعي إلى هدنة تطمح إلى تثبيتها من خلال التعاون مع “الشركاء” في المنطقة لشراء الوقت، ريثما تستجد معطيات توفر المداخل المؤدية إلى تسوية ما.

لكن شراء الوقت سيف بحدين. معظم التوقعات والمتابعات المتخصصة في الوضع السوداني تتحدث عن “الأخطر القادم”، والذي تنبئ به كثافة وفوضى عمليات الإجلاء الأجنبي، وحتى المحلي، عن العاصمة، وتمدد القتال إلى خارجها. وفي مثل هذه الحالة، يبقى وقف النار، في أحسن أحواله، فسحة لإعادة الاصطفاف والتموضع لاستئناف الصراع بوتيرة أعلى وأشد، خاصة أن الجهات الخارجية التي كانت وراء انفجار الوضع، أو التي كانت في انتظاره، بدأت تتكشف أدوارها، وبالأخص مجموعة “فاغنر” الروسية التي ترى واشنطن من خلالها ظلّ دور الكرملين في الأزمة، والذي من شأنه زيادة تعقيد الوضع الذي تتداخل فيه مصالح محلية متنافرة ومتجذرة مع مصالح إقليمية ودولية.

وفي بعض القراءات أن موسكو عملت على تذكية اندلاع حرب بين البرهان وحميدتي لتخلق “شبه أوكرانيا أفريقية لواشنطن”، في لحظة افتتحت فيها، خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما سمته إدارة بايدن بالعلاقة المتجددة مع أفريقيا. وإذا صح الحديث عن مثل هذا التوجه الروسي، فقد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الصينية المتوسعة في القارة السوداء لو فاضت الحرب إلى خارج وعائها السوداني لتطاول بعض أطراف الإقليم. ويظل بالتالي السؤال: هل تبادر الصين في نقطة ما من احتدام النزاع إلى التحرك لاحتوائه عبر التوسط بين الجنرالين، كما فعلت خلال وساطتها بين السعودية وإيران التي أنهت سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين؟

ثمة اعتقاد بأن للصين “مونة” على السودان عموما، وعلى المتحاربين بالتحديد باعتبارهما صاحبي القرار فيه الآن. وقد أعربت، وإن بصورة مبطنة، عن عدم ارتياحها لأحداث الأسبوعين الأخيرين من خلال إعلان موقفها المؤيد “لاستقرار السودان”. ويذكر أن شركة النفط الصينية العاملة في جنوب السودان تلعب دوراً هاماً في “زيادة حصة الخرطوم من عائدات مرور أنابيب النفط الجنوبي في أراضيها”، وهذه ورقة قوية بيد الصين بالإضافة إلى علاقاتها التجارية الجيدة مع الخرطوم والتي يمكن توظيفها لاجتراح تسوية للأزمة.

بالتوازي، لا تبدو إدارة بايدن معنية بدور صيني في السودان. “نترك للبلدان الأخرى التحدث عن تحركاتها الدبلوماسية هناك”، قال باتيل أمس الجمعة في رده على سؤال “العربي الجديد” حول احتمال دخول بكين على خط التوسط بين البرهان وحميدتي وما إذا كانت الإدارة ترحب بمحاولة من هذا النوع. علماً أن إجابته عن السؤال نفسه تقريباً عن الوساطة الصينية بين السعودية وإيران أفادت بأن واشنطن ترحب بأي خفض للتوتر في المنطقة. الآن اختلفت النغمة باختلاف الساحة وأطرافها وحدة المنافسة حولها. لكن صيت الدبلوماسية الصينية كبر بعد صفقة الرياض – طهران. وفي الأيام الأخيرة، أخذ دفعة إضافية من اتصال الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما بدا بمثابة دق صيني لباب التسوية في الحرب الروسية على أوكرانيا.
يقال إن المشترك بين أزمة السودان وحرب أوكرانيا هو أن كليهما يتجه نحو الأسوأ في المدى المنظور، لكنهما بالنهاية محكومتان بتسوية، ولا غرابة أن يتبين لاحقاً أن هناك مشتركاً آخر بينهما يتمثل في أن مهندس التسويتين قد يكون صينياً في كلا الحالتين.

العربي الجديد