حيدر المكاشفي يكتب: يا فيها يا نجيب عاليها واطيها
بنشاط محموم وموتور بدأ الكيزان وفلولهم في تنفيذ أحد خططهم ضمن الخطط الأخرى التي رسموها للعودة الى السلطة، فقد صعب عليهم مفارقة نعيمها وصولجانها لمدة أربعة أعوام، ولهذا باتوا في استعجال ولهفة لاستعادتها بأعجل ما تيسر، خاصة بعد أن هيأ لهم الانقلاب كل أجواء العودة، والخطة التي نعنيها هنا، هي العودة لممارسة العنف بكل معانيه، الجسدي منه بالقتل واللفظي بعبارات التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويمكن لأي مراقب عادي ومتابع للأحداث، ان يحصي عددا كبيرا من أحاديث ومخاطبات متفرقة وفي مناسبات مختلفة لعدد من قيادات الكيزان والفلول، درجوا على تنظيمها بعد أن منحهم الانقلاب الضوء الأخضر وتعهدهم بالحماية والتأمين، على التفوه بها بأصوات راعدة ومتوترة،
ومؤدى كل هذه الاحاديث والخطب التهديدية، انهم ان لم يعودوا الى السلطة ويستعيدوها عنوة، فانهم سيحولون السودان إلى جحيم وسيجعلونه منه حلقة جديدة ستنضم إلى حلقات الإرهاب، وانهم سينحون جانبا ويهمشون كل من كان منهم معتدلا وبراغماتيا ووسطيا، لأنهم عازمون بحد أقوالهم المرصودة على تحويل السودان بحدوده المفتوحة إلى بؤرة فوضى ومركز لعدم الاستقرار، ولعلهم لخدمة هذا الهدف الخبيث قدموا صعاليكهم وجعلوهم يتصدروا المشهد، وعندما نقول صعاليكهم، نقولها لأنها توصيفهم لبعضهم من نفسهم وليس مسكوكا منا، وانما هو اعتراف جهير سبق أن أعلنه على الملأ وحفظته الأضابير قيادي تاريخي من قيادات الجبهة الاسلامية القومية سابقا، والجبهة الاسلامية القومية لمن لا يعرفونها من فوارس الثورة الشباب وكنداكاتها الشابات كانت ثم بادت كواجهة من واجهات اشكال التلون الحربائي لجماعة الاسلام السياسي، وكان هذا القيادي الاسلاموي قد قال مرة في تبرير بذاءاته (أنا صعلوك الجبهة الاسلامية)..
فلا عجب اذن من سيل البذاءات والتفاهات المتدفق هذه الأيام، الذي ينحو للتهديد بالقتل والسحل كما حدث مع رئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتس، بمطالبة أحد مهاويسهم وجهاليلهم بفتوى تبيح له اراقة وإهدار دم فولكر وأعلن تبرعه بتنفيذ عملية الاغتيال، وكان ذلك خلال ندوة سياسية أقامها ما يسمى تحالف نداء أهل السودان الذي يضم الكيزان وتنظيمات سياسية حليفة لهم وزعماء عشائر مستقطبين،
وها هم الان يستعيدون ارث نظامهم البائد الخطابي المتوتر الذي أورد البلاد موارد الهلاك، ولكن قل لي من أين يأتون بغير ما يقولونه وهم الذين تربوا على ذلك وترعرعوا ونشأوا فيه، فتلك هي بضاعتهم التي لا يحسنون غيرها، وان المرء ليعجب من مثل هذه الخطابات المتشددة والمتوعدة التي ترعد عباراتها، وتبرق حروفها، ما هدفها وما الذي ترمي إليه، وما الذي سيجنيه مطلقوها عندما يلقون بها، هل لمجرد النفخ والهرش، إذا كانت كذلك فانها لن تزيد الطين إلا بلة والأجواء توتيرا، وأما إذا كان الغرض منها غير ذلك، فإن الناس وخاصة الشباب الذي فجر الثورة قد أصبحوا أكثر دراية ووعيا بأمور الحياة ومنعرجات السياسة والاعيب الكيزان، ولم يعد يثنيهم أو يخيفهم الرصاص الحي الذي واجهوه بصدور عارية فارتقى منهم مئات الشهداء دعك من عبارات رصاصية وقذائف كلامية وقنابل لغوية تهويشية، كما لم تعد تمثيليات دغدغة المشاعر بالدين تنطوي عليهم.. فأبحثوا عن شعارات أخرى غير شعاراتكم وهتافاتكم التي شاخت وباخت وتجارتكم بالدين التي بارت..
صحيفة الجريدة